مبدأ أساسي لدى أهل السنة والجماعة في التعامل مع الحكام والولاة والمسئولين في الدولة والمعارضة السياسية، هو موقف الفاروق عمر بن الخطاب (رض) بأبي هو وأمي، من الرجل الذي صاح قائلا: «يا عمر لو وجدنا فيك إعوجاجا لقومناك بسيوفنا»، فقال (رض): «الحمدلله الذي أوجد في أمة محمد من يقوم إعوجاج عمر بحد السيف».
دلالة هذا الموقف تطرح عدة تساؤلات وتجيب على مخاوف يحملها الكثير منا مرارا في جوفهم وقليلا ما يظهرونها على الملأ. ولعل من هذا الموقف يستشف سماحة النهج «العمري» في الحكم وموقف الشخص المسئول في الدولة الإسلامية إزاء النقد ووجهات النظر، حتى وإن كانت حادة وقاسية. طبعا لا يعنينا أن يقول أحدهم إن الفرقة الفلانية أو أبناء الطائفة الفلانية يفرحون بنقد موقف الحكام والمسئولين في الدولة. فلا يجوز إخفاء شيء من الحق يعتبر من الدين بالضرورة، من أجل أن الحكام والمسئولين أو الأميركان أو غيرهم... سيتربصون بنا الدوائر. فحماية بيضة الدين لا تباع من أجل خاطر الحكام والأميركان.
هذا مدخل جيد للولوج إلى الرد على فحوى التحولات التي جرت في الفترة الماضية، بيني وبين الأخ إبراهيم. ولكن قبل ذلك، فإنني أؤكد إلى الأخ إبراهيم وغيره من الأعزاء أنني مثلما أطرح وجهة نظري عن مختلف الأشياء، ومثلما أقبل أن تتغير مواقفي تجاه التنظيمات السياسية، كـ «الأصالة» مثلا، مثلما أسمح لنفسي بذلك فواجب عليّ أن أسمح لغيري بممارسة هذا الحق. وبما أنني غير منتمٍ لأي من التنظيمات السياسية، لا «وعد» ولا غيرها، على رغم إلحاح الأخ إبراهيم بوصندل على قرن اسمي بتنظيم «وعد»، في إلحاح متكرر قاصدا من وراء ذلك الوشاية والتحريض من جهة، والشحن المبرمج في أوساط يعرف فسيفساءها جيدا من جهة أخرى. وإن كان المنتمون إلى «وعد» هم أهل «مرجلة سياسية» ويفخر من ينتمي إليهم، إلا أنني غير منتمٍ لأي تنظيم سياسي. وذلك من أجل أن لا أحمله وزر كتاباتي ولا أتحمل وزر الالتزام بمواقفه! وهذا ما هو أقرب إلى شخصيتي، في الوقت الحالي على الأقل!
إذا كان ما أزعج الأخ إبراهيم نقدنا لأدائه المثير في الدائرة وعدم وجود مكتب تابع له في الدائرة وغيرها من ملاحظات نقدية على أدائه، إضافة إلى أنه وغيره من المنتمين إلى جمعية الأصالة دشنوا حملاتهم الانتخابية بعبارات تطبيق الشريعة الإسلامية، فإن السؤال الذي ظل بلا إجابة طيلة الخمسة أعوام الماضية هو: ماذا طبقت الأصالة من الشريعة الإسلامية؟! فإن كان لا جواب يحمله الأخ إبراهيم أو جمعيته، فإن من حقنا القول إنهم فشلوا في تطبيق الشريعة الإسلامية، وإنهم باعوا الناس أحلاما في الهواء أيام الانتخابات، إذ كانوا يعلمون مسبقا (من خلال تجربتهم لأربع سنوات خلت) أنهم لم يستطيعوا أن يطبقوا من الشريعة الإسلامية مقدار قطمير... وعلى ذلك فإن المفاضلة بين التنظيمات السياسية ليس تطبيق الشريعة أو عدم تطبيقها، إذ ذلك غير متحقق في واقع البحرين، فالمفاضلة إذا: الرقابة والتشريع فيما يتعلق بالحقوق التي نص عليها الميثاق والدستور البحريني. والمفاضلة في هذا الجانب لن تكون في صالح «الأصالة» أو بقية قوى الموالاة.
ختاما، يبقى الأخ إبراهيم عزيزا ومقدرا بالنسبة إليّ، وأرجو من الإخوة عدم تحميل أمر الاختلاف في الرأي ووجهات النظر أكثر مما تحتمل... فالإخوة الإسلامية بيني وبين الأخ إبراهيم بوصندل هي أعز وأغلى من ممارسة السياسة والكتابة الصحافية.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1944 - الثلثاء 01 يناير 2008م الموافق 22 ذي الحجة 1428هـ