مسألة في غاية الأهمية تثيرها استراتيجيات التعهيد، تلك هي تهديدها للمجتمع الباحث عن التعهيد بتفشي ظاهرة البطالة في صفوف نسبة من اليد العاملة الماهرة من أبنائه. ومن دون مبالغة، فقد أدى ازدياد عدد العاملين في التعهيد في الهند الذي يقارب 245000 شخص، الى تشكيل تهديد كبير لأكثر من 100 مليون شخص في الولايات المتحدة يعملون في قطاع الخدمات. ويتوقع المحللون أن تفقد الولايات المتحدة 75000 وظيفة قانونية، بحلول العام 2015، أما أوروبا فستفقد ما يقارب 1200000 من محترفي الكمبيوتر بحسب الموقع الألكتروني «www.zdnetindia com» .
وتولي الولايات المتحدة اهتماما كبيرا لهذا القطاع إذ يتوقع المحللون هناك، أنه بحلول 2015 فإن البلاد ستفقد 33 مليون وظيفة سيتم تعهيدها الى بلاد أخرى، وتقول التحليلات إن أعداد الوظائف التي سيتم تعهيدها ستتسارع بنسبة 30 الى 40 في المئة، خلال خمس السنوات المقبلة، وينظر الى فقدان أي وظيفة في الولايات المتحدة على أساس أنه جزء من إعادة الهيكلة لاقتصاد البلاد ككل.
من هنا ومع استمرار موجة الاندفاع نحو الهند وارتفاع أعداد من يتم الاستغناء عنهم من الأميركيين احتد الجدل بشأن الظاهرة، ورأى فريق من رؤساء الشركات الأميركية أن المبرمجين الهنود يقدمون بديلا رخيصا يمثل بالنسبة إليهم مدخلا حيويّا للربحية لا يمكنهم الحصول عليه في حال الاعتماد علي المبرمجين الأميركيين، فيما رأى فريق آخر أن استمرار الاندفاع في هذا الأمر يهدد بأن تفقد صناعة البرمجيات الأميركية ريادتها التقنية، علاوة على أنه اتجاه غير مناسب في ظل التباطؤ والركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة داخل الولايات المتحدة.
وسرعان ما انتقل هذا الجدل إلى البرامج السياسية التي يتبناها مرشحا الرئاسة، فقد تبنى الديمقراطيون موقفا يدعم الآراء المناوئة لظاهرة التعهيد والاندفاع نحو الهند، وتعهد جون كيري مرشحهم الرئاسي بإلغاء الحوافز التي يحصل عليها أصحاب الأعمال في حال توجيه أعمالهم واستثماراتهم فيما وراء البحار وإلغاء تخفيضات الضرائب التي تسمح للشركات تأجيل دفع الضرائب على الدخل الخارجي، وقال كيري في أحد لقاءاته الانتخابية: «دعونا نوقف إهدار أموال دافعي الضرائب لإعطاء حوافز من أجل نقل الوظائف خارج الولايات المتحدة».
أما الجمهوريون فكانوا أقرب إلى الرأي المدافع عن ظاهرة التعهيد، وأعرب مسئولون في حملة بوش الانتخابية عن اعتقادهم بأن التعهيد يحقق خفضا في الكلف، وبالتالي يزيد الإنتاجية للشركات الأميركية ويجعلها توفر فرص عمل جديدة داخل الولايات المتحدة، وتشارك في النمو داخل البلدان الأخرى ما يزيد أيضا من حجم التجارة العالمية وهو أمر يفيد الولايات المتحدة.
وتحتل الهند قمة الدول التي توفر خدمات التعهيد، وبحسب تقارير العام 2002 فان حوالي 33 في المئة من السكان دون سن الخامسة عشرة، بينما كانت نسبة 5 في المئة فقط من السكان فوق سن التقاعد التي تحدد بسن الخامسة والستين في الهند، ومن هنا يمكن ملاحظة أنه وبعد مرور فترة من 10 الى 15 عاما فان غالبية الشعب الهندي سيكون في سن العمل، ما سيعد نموا كبيرا في حجم العاملين إذ يتوقع أن ينزل الى سوق العمل ما يقرب من 250 مليون شخص في الهند بحلول العام 2020، وتقدر قيمة أعمال التعهيد في الهند بـ 63 مليار دولار حالياّ، إذ برزت الهند كأكبر محرك عالمي في هذا القطاع ويتوقع الخبراء أن تصل عائدات التعهيد في الهند الى 813 مليار دولار أي ما يعادل نصف عائدات الأسواق العالمية بحلول العام 2007، ويشهد معدل النمو في قطاع التعهيد ارتفاعا بنسب تتراوح بين 60 و70 في المئة سنويّا في الهند. وحققت الهند إيرادات بلغت 19,5 مليار دولار في العام 2005 وحده من تصدير خدمات «التعهيد الخارجي» بزيادة نسبتها 33 في المئة عن العام السابق له وتشتهر الهند بأشكال التعهيد كافة ومن تلك الأشكال الخدمات الهندسية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1944 - الثلثاء 01 يناير 2008م الموافق 22 ذي الحجة 1428هـ