في كل كلمة يفتح فيها موضوع غلاء الأسعار تواجهنا إجابتان؛ الأولى أن من تحدثهم “صم بكم عمي” ومن سابع المستحيلات أن تحصل على رد، وكأن هؤلاء المسئولين خبراء في فن “الحقران يبط المصران”!
الإجابة الثانية، التي نحصل عليها في بعض الأحيان هي أن هذه يا جماعة الأسعار العالمية، والغلاء لا يقتصر على البحرين فقط، بل أن جميع دول العالم تشهد هذا الارتفاع وهو أمر طبيعي...
نعم، هو أمر طبيعي للغاية، كما هو الحال بالنسبة إلى بقية المحن والمنغصات، فأزمة السكن منغص طبيعي، والفقر المدقع منغص طبيعي، وركوب المتنفذين على ظهور المواطنين أمر طبيعي، وموتهم “من القهر” أمر طبيعي!
في الحقيقة لا أدري، هل أن الحديث عن ارتفاع الأسعار وحال البحرينيين من ذوي الدخل المحدود الذين يشكلون الغالبية العظمى أصبح حديثا لا يمكن فتحه حاله حال نبش قبور المسلمين!... وما أذهلني ما قاله أحد التجار في أحد المجالس حين تحدث الحضور في مجلسه عن ارتفاع الأسعار والزيادة في القطاع الحكومي “لا يمكن زيادة الرواتب لأن العامل لن يعطي كل طاقته”.
دعونا نرجع إلى الأسعار والغلاء الفاحش مرة أخرى، فالغريب أن الارتفاع لم يتوقف وظل في حالة هيجان من دون أن نرى تحركا جديا في الموضوع. وفي وسط كل هذا يجد البحرينيون “المنتفون” أنفسهم ضائعين، وطبعا هم الضحية الأولى لغلاء الأسعار، فأصحاب الرواتب الخيالية، والمراكز الكبيرة لن يتأثروا بالغلاء لأن موازنتهم تسمح بأية زيادة، ولكن ذلك الذي يتقاضى راتبا شهريا مقدراه 200 دينار ويسكن في شقة بـ 100 دينار، ولديه سيارة وزوجة وأولاد لن يجد أمامه سبيلا إلا الاقتراض من البرادات ومن الأصدقاء والجمعيات والمصارف والفرشات، وستتوسع قائمة الاقتراض كلما توسع الفارق بين الدخل الشهري وقيمة المصروفات.
إننا لا نطالب بدعم جميع السلع، فلا أحد يرضى للحكومة بالخسارة - لا قدر الله - ولا أحد يرضى أن تصل موازنة الدولة إلى حد العجز - لا سمح الله - ولا أحد يرضى أن يجد المسئولين الكبار نفسهم من غير راتب لعدم توافر الموازنة - الله ما يرضى - ولكننا نأمل أن تقوم الحكومة بخطوة نحو دعم جميع السلع الضرورية، فلا يعقل أن يرتفع سعر (الزبد) مثلا من 450 فلسا إلى 800 فلس، والكلام ينطبق تماما على الأجبان وكل ما يدخل إلى هذا البطن!
قد يقول بعض الكبار إن زيادة 100 فلس أو 200 فلس لا تؤثر، وقد يعتبرون المطالبة بخفض الأسعار ضربا من قلة الحياء، ولكننا نقول لهم أن يجربوا طعم الجوع والفقر لمدة أسبوع وأنا أجزم بأنهم سيهجرون حتى ملتهم! وقد يشعرون حينها بالمواطن الفقير، ولكن هذا مجرد تنظير فلا يشعر بالنار إلا من يكتوي بها...
شخصيا أعرف مجموعة من الأصدقاء الذين يسيرون حياتهم “بالعافية”، فبعد الأسبوع الأول من كل شهر لا يجد في حسابه إلا الأصفار، وقد يبقى لديه ديناران ولا يمكنه الحصول عليهما، فالصراف لا يسمح بسحب أقل من 10 دنانير... وأذكر أن أحد الأصدقاء خرج معنا في إحدى الليالي وأصر على المرور بالصراف في الطريق لكي يشارك في دفع فاتورة العشاء، وكان ذلك في بداية أحد الشهور، فخرج ونسي الرصيد في السيارة، وعندما رجعت إلى المنزل حسبت أن الرصيد يعود إلي، فلما نظرت إليه رأيت أن المتبقي من الحساب 75 فلسا!
كنت أفكر في اليوم التالي في حال هذا الصديق، فاتصلت به وسألته إن كان بحاجة إلى أي شيء، ولكن عزة نفسته كانت تمنعه من أن يطلب أي شيء، وكم هم كثيرون أمثال هذا الصديق، وقد مَنَّ الله عليه وعلى بقية “المنتفين” في الفريق ببرادة يشتري منها بالسلف حتى آخر الشهر، ليأتي في بداية الشهر التالي ويدفع المبالغ المتراكمة.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1944 - الثلثاء 01 يناير 2008م الموافق 22 ذي الحجة 1428هـ