العدد 2281 - الأربعاء 03 ديسمبر 2008م الموافق 04 ذي الحجة 1429هـ

مصيبة شيخ الأزهر

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أثارت مصافحة شيخ الأزهر سيد طنطاوي لشمعون بيريز أسبوعا كاملا من الجدل في الشارع المصري والعربي، وستبقى كذلك لفترة أسبوع آخر.

رد الفعل الغاضب يعبّر في جوهره عن رفض سياسة النظام العربي الرسمي للتطبيع الجماعي مع «إسرائيل»، وخصوصا أنه كلما زاد تقرّب الأنظمة للعدو، كلما زاد تصلبه وشراسته وعدوانيته ضد الفلسطينيين، وآخر فصولها ما نشهده من حصار غزة وتجويع أهلها.

المصافحة كانت صدمة للوجدان العام، فلم يكن مقبولا ولا مستساغا أن يصافح أكبر مرجعية إسلامية (ولا أقول سنية) في العالم الإسلامي يد بطل مجزرة قانا. ولم يكن مقبولا محاولة إنكار المصافحة مادام قد أقدم عليها، وهو ما دفع بعض المواقع الإلكترونية العربية والإسلامية إلى نشر الصورة على الملأ، ما اضطر مدير مكتبه للاعتراف بأن الصورة صحيحة وليست مزيفة.

ولم يكن مقبولا بعدها أن يتنصّل الشيخ مما فعل بالقول إنه لم يكن يعرف شمعون بيريز، فوجهه مخزّنٌ في ذاكرة كل عربي، بما فيهم سكان الأرياف والنجود والغيطان. كبار السن يعرفونه بطلا لمجزرة بحر البقر، والشباب يعرفونه بطلا لمجزرة قانا.

ثم لم يكن مقبولا من شيخ الأزهر أن يمعن في الدفاع عن خطيئته على طريقة «وأنت فعلت كذا أيضاَ»، بمهاجمة «حماس» التي تسيطر على قطاع غزة. فمنعها الحجاج الفلسطينيين من العبور «إثم» كما يقول، لا يبرّر له ارتكاب إثم آخر بمصافحة أحد أشهر القتلة والجزّارين العتاة.

الجدل الذي ثار في الصحف العربية، تصدّرته «القدس العربي» منذ بداية ديسمبر/ كانون الأول، مع أن الواقعة مضى عليها أكثر من أسبوعين في مذهب حوار الأديان بنيويورك. وفي الوقت الذي طالب أعضاء «الإخوان المسلمين» بالبرلمان باستجواب رئيس الوزراء، لأن المصافحة «أساءت إلى سمعة الأزهر وسمعة الأمة الإسلامية كلها»، فإن مدير العلاقات العامة بالأزهر ردّ بقوله: «ما الضرر؟ فالرئيس مبارك نفسه يلتقي به... وهناك تطبيع مع إسرائيل»!

«القدس العربي» في افتتاحيتها قالت إن مرجعية شيخ الأزهر في العالمين العربي والإسلامي تدنّت وتقزمت منذ توقيع اتفاقات كامب ديفيد عام 1979، بسبب إصرار السادات وخليفته على تعيين أشخاص لا يتمتعون بالمواصفات المطلوبة، وظيفتهم «إصدار فتاوى وفق ما تقتضيه سياسة الحاكم وحزبه»، ووصفته بأنه النموذج الأفضل لما يسمى بـ «وعاظ السلاطين»، فهو «سخّر المؤسسة الدينية لخدمة السلطان، سواء بدعمه للتطبيع، أو صمته على السياسات المتعارضة مع القيم الإسلامية، مثل بيع الغاز لـ «إسرائيل» والمشاركة في حصار وتجويع مليون ونصف مليون مسلم في غزة.

هذه الإشكالية ليست وليدة اليوم، وإنّما هي ضاربةٌ بجذورها في التاريخ. فعندما احتفل الأزهر الشريف مطلع الثمانينيات، بذكرى تأسيسه في عهد الفاطميين قبل ألف عام، نشر الكاتب فهمي هويدي تحقيقا تاريخيا في مجلة «العربي»، مع سلسلة مقالات، تناول فيه مسيرة الأزهر، والخط البياني لانحداره منذ قبِل شيوخه بتنظيم الدراسة فيه أيام عبدالناصر وتحويله إلى جامعة وكليات. ولم ينسَ الإتيان على ذكر استقالة زعيم الأزهر آنذاك (لعله الشيخ الخضري) احتجاجا على ذلك.

إنها مسألة الاستقلالية في القرار، ورفض تأجير الفتوى وارتهان الضمير. وهي مسألةٌ لا يفقهها من يتيهون اليوم في مناقشة مسألة «الخمس» ابستمولوجيا، وما يسمّى بـ «بيان المثقفين الشيعة»، وقرار وزير العدل الأخير

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2281 - الأربعاء 03 ديسمبر 2008م الموافق 04 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً