العدد 2281 - الأربعاء 03 ديسمبر 2008م الموافق 04 ذي الحجة 1429هـ

ساحة لبنان بين التجاذب والانتظار

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

يشهد لبنان عودة هادئة إلى فترة التجاذبات السياسية والأهلية والإقليمية التي وصلت ذروتها في مايو/ أيار الماضي وكادت تطيح بالكيان (دولة ومقاومة) وتدفعه نحو الانهيار. وأدت تدخلات اللحظات الأخيرة إلى احتواء الانفجار وترتيب تسوية مؤقتة (اتفاق الدوحة) أعطت فرصة لإعادة الحوار الوطني وانتخاب رئيس وتشكيل حكومة وضبط الانفلات الأمني نسبيا وعقد لقاءات ثنائية بين الأطراف المتخاصمة.

استمرت «هدنة» الدوحة تتقلب شرقا وغربا تحت سقف الاستقرار المسيطر عليه إلى أن انتهت انتخابات الرئاسة الأميركية وإعلان فوز باراك أوباما بالمنصب في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني. بعد استحقاق هذا الموعد الدولي أخذت نغمة الاتهامات المتبادلة تعود إلى واجهة الساحة اللبنانية مشيرة إلى بدء مرحلة الارتداد إلى ما قبل كارثة مايو. فالبلد كما يبدو أخذ يستعد لموجة جديدة من التجاذبات أخذت القوى المحلية تتقاذفها على شاشات التلفزة والفضائيات والمحطات ذات اللون الحزبي.

العودة الهادئة إلى فترة التجاذبات السابقة يرجح أن تستمر في المرحلة المقبلة نظرا إلى وجود مجموعة محطات تقلق القوى الفاعلة على الساحة اللبنانية. فهناك قلق من عودة الرئاسة في عهد ميشال سليمان إلى لعب دورها المتوازن بعد أن شهدت في عهد اميل لحود انكفاء إلى حلقة ضيقة بسبب انحيازه إلى دائرة من العلاقات لا تنسجم مع الطبيعة البراغماتية للدبلوماسية اللبنانية. وهناك من يقلق على مصير «المحكمة الدولية» والغموض الذي يكتنف التحقيقات بشأن الجهات التي أشرفت ونظمت وخططت ونفذت جرائم الاغتيال. وهناك من يتطلع إلى موعد الانتخابات النيابية في أيار 2009 ويرى فيه نقطة تحول قد تفصل نفسيا بين مرحلة الوصاية ومرحلة السيادة.

هذه المحطات اللبنانية لا يمكن عزلها عن مجموعة استحقاقات تنتظر المنطقة وأميركا وكلها تعتبر مؤشرات تضغط على ساحة بلاد الأرز ويمكن أن تقرر مصيرها أو تؤثر على توازناتها. فالتسلم والتسليم في أميركا تنتظره القوى السياسية للتعرف على توجهات أوباما ومدى التزامه بسيادة لبنان واستقلاله في حال قررت واشنطن تنشيط المسار التفاوضي السوري - الإسرائيلي وتغليبه على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي. كذلك تنتظر القوى اللبنانية تطور مسار العلاقات الفلسطينية - الفلسطينية في ضوء اقتراب موعد انتهاء «هدنة غزة» بين حماس وتل أبيب في 19 ديسمبر/ كانون الأول الجاري ومدى انعكاسه على السلطة في الضفة الغربية وإمكان استمرار محمود عباس في موقعة الرئاسي في يناير/ كانون الثاني المقبل. فالموضوع الفلسطيني مهم في إطاره اللبناني لأنه يساهم في تعديل الصورة الإقليمية على المستويين: أمن المخيمات الفلسطينية واستمرار التنسيق مع السلطة اللبنانية، وأمن الحدود الدولية مع «إسرائيل» واستمرار الهدوء برعاية قوات الأمم المتحدة تحت سقف القرار 1701.

إلى المسارين السوري والفلسطيني هناك الانتخابات الإسرائيلية وصورة السلطة المتوقع تشكلها في ضوء نتائجها. فالمشهد الإسرائيلي يرجح أن يختلف جزئيا في حال فوز حزب «الليكود» وعودة بنيامين ناتنياهو إلى رئاسة الحكومة باعتبار أن الحزب المذكور أكثر تشددا في تعامله مع السلطة الفلسطينية وأكثر ليونة في تعاطيه مع الملف السوري وتباعاته الإقليمية.

مسارات واستحقاقات

كل هذه المسارات والاستحقاقات الأميركية والإسرائيلية والفلسطينية المرجح أن تتوضح معالمها خلال الشهور الثلاثة المقبلة أخذت تضغط على الساحة اللبنانية وترفع من حرارة الملفات الداخلية المتصلة بالحوار الوطني والمحكمة الدولة والانتخابات النيابية. فالحوار الوطني محكوم بمدى قدرة الانفتاح الرئاسي البراغماتي على تأمين تهدئة تضبط التوازن وتمنع الانفلات الأمني في إطار التفاهم على إستراتيجية الدفاع. والمحكمة الدولية محكومة بمجموعة احتمالات تتصل بمجال تطور العلاقات السورية - الأميركية في عهد أوباما ومدى استعداد واشنطن على التفاوض بشأن استقرار لبنان وسيادته. والانتخابات النيابية - التي يرجح أن تنتهي بمعادلة لا غالب ولا مغلوب في حال التزمت الأطراف بعقدها في موعدها المقرر - فهي أيضا محكومة بمدى نمو تحولات في السياسة الأميركية وتأثيرها على التوازنات المحلية وتحديدا في الملفين الأمني (طبيعة المحكمة الدولية) والدفاعي (صيغة العلاقات بين الدولة والمقاومة).

بسبب هذه الاستحقاقات أخذت لهجة التصعيد السياسية تعود أدراجها إلى محطات التلفزة والفضائيات اللبنانية باعتبار أن القوى المحلية تقرأ المتغيرات في إطارات دولية وإقليمية متخالفة. فهناك فريق يرى أن العاصفة الأميركية بدأت تميل إلى جانب محركاته الإقليمية سواء من جهة توقيع الاتفاقية الأمنية في العراق التي جاءت لمصلحة الاعتراف بالنفوذ الإيراني في بلاد الرافدين وسواء من جهة فتح صفحة جديدة من العلاقات السورية - الأميركية في إطار تنشيط التفاوض بين دمشق وتل أبيب على حساب المسار الفلسطيني. وهناك فريق يرى أن الرياح الأميركية لاتزال مفتوحة على اتجاهات مختلفة تجمع بين بقايا إستراتيجية متشددة موروثة من عهد بوش وبين توجهات براغماتية يمكن أن تطرحها إدارة أوباما في محاولة منها لاحتواء أزمة الأسواق المالية.

اختلاف القراءة بين الفريقين اللبنانيين أعطى دفعة قوية لعودة التوتر والبدء في مرحلة أخذت ترتد رويدا إلى فترة ما قبل مايو الماضي. فالاختلاف ليس طارئا لكون المشكلات التي تم التوافق على حلها في لقاءات الدوحة تحتاج إلى مجموعة شروط دولية وإقليمية تتجاوز في حساباتها العوامل اللبنانية. إيران مثلا تنتظر موعد التسلم والتسليم في واشنطن حتى تتعرف على دقائق التوجهات الأميركية بشأن الملف النووي وموقع طهران الإقليمي ودورها في صوغ التوازنات التي تضمن نفوذها. وسورية أيضا تنتظر يوم 20 يناير المقبل حتى تتأكد من أنها على عتبة جديدة من الانفتاح الأميركي الذي تعرض للتذبذب في فترات معينة ومحدودة. وحزب الله ليس بعيدا عن صورة المراقبة للمتغيرات لأنه يعتبر موقعه عرضة للتفاوض في حال حصلت تبدلات في المسارات الثنائية ومبادلات في التحالفات الإقليمية. وقوى «14 آذار» تعيش بدورها لحظات من الانتظار وتترصد الخطوات وتقرأ الاحتمالات لكونها الطرف المطروح على طاولة التفاوض سواء على مستوى تنشيط المسار السوري - الإسرائيلي أو على مستوى تطور العلاقات بين دمشق وواشنطن أو بين واشنطن وطهران.

الصورة اللبنانية من مختلف جوانبها تمر في حالات من القلق المعطوف على انتظار تحولات مقبلة في غزة (اتفاق الهدنة) ورام الله (مصير رئاسة عباس) وواشنطن (التسلم والتسليم) و«إسرائيل» (انتخابات الكنيست). فكل هذه الاستحقاقات تضغط دوليا وإقليميا على الأطراف المحلية في لبنان. فهذا البلد الصغير تحول مجددا بعد عدوان صيف 2006 إلى ساحة مكشوفة ومفتوحة لتبادل الرسائل ما أعطاه قابلية ليلعب دور مسرح المرايا الذي ترتسم في صوره المهشمة مشاهد المحيط الجغرافي والجواري

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2281 - الأربعاء 03 ديسمبر 2008م الموافق 04 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً