العدد 1942 - الأحد 30 ديسمبر 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1428هـ

إيران والعراق... والدَّمُ الذي يراق

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما يصل إيران بالعراق اليوم هو عبارة عن معادلة من نوع آخر. فمع الاحتلال ظهرت سياسة غير مستقرة ممزوجة بدبلوماسية قاسية بين طهران وواشنطن عبر البوابة العراقية التي مثلت البطن الرخو للإدارة الأميركية. وضمن هذه المساحة تتباعد ركلات الفرقاء حول نواتها عندما يقل الحلفاء، وتتحول من هكذا حال إلى صيغة حرب مخففة عندما يصبح الموضوع ذا صلة بأسباب الوجود والتحدي والتفوق. وأيضا وبوجود الاحتلال الأميركي للعراق بدأ التحدي الأكبر لواشنطن وطهران في إيجاد تفسير لما يجري وإدراك ما سيجري ومن ستكون رجله على صدر الآخر على الأقل في محيط جغرافي أو في ملف من الملفات كما يحلو لبوش أن يباعدها قسرا ضمن سياسة الفصل بين الملفات. الأميركيون ربما يتساءلون: هل تجاوزت إيران نظرية محور الشر أم أن الأخيرة تجاوزتها بفعل الزمن، ومن الذي استطاع أن يطوِّع الحوادث لصالحه؟ والإيرانيون هم أيضا يسألون: هل أوجعنا الأميركيين بما يكفي لكي ينصرفوا عن غلوائهم ضدنا؟ وبين التساؤل الأميركي والإيراني تغيب السياسات الهاجعة لصالح السياسات المتقافزة التي تتحكم في إيقاع حركتها الحوادث ولي الأذرع.

على أرض العراق وحوله جرت جولات الحوار بين الخصمين اللدودين، فكسب الأميركيون قدرا جيدا من الأمن وفَّره لهم الإيرانيون بعد حبسهم لآلة الجيوب التي لهم ولاية عليها في الجنوب والوسط والشمال، وكسب العراقيون قدرا مهما من الهدوء السياسي في العلاقات الخارجية والداخلية أيضا، وكسب الإيرانيون لجما أكبر لمجاهدي خلق ومعسكر أشرف وحرية التصرف ضد حركة بيجاك الكردية المسلحة، وأيضا تقريرا استخباراتيا برأهم من وزر السلاح النووي الذي بدا مزعجا لهم إلى حدٍّ ما من العام 2002، لكن الأكيد أيضا أن هذه الجولات لم تمنع من ليِّ الأذرع بينهما في مواطن أخرى داخل العراق، وربما دفعت حسابات الأرض لأن تتغير فواتير الملفات اللاحقة صعودا وهبوطا وطريقة العرض والطلب بشأنها.

فالدولة العراقية اليوم أشبه بسوق البازار التي تجيد المضاربات وتصوغ التحالفات، والفارق هنا فقط هو أن التشطير في هذه السوق هو لصالح فريقين لا أكثر. قبل أسبوع بالضبط صرح الرئيس العراقي جلال الطالباني في مؤتمر صحافي مشترك في السليمانية مع نائبه من الحزب الإسلامي طارق الهاشمي ورئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني بأن «معاهدة الجزائر ألغيت في السابق من جانب قوى المعارضة العراقية التي هي الآن تشكل الحكومة العراقية، وكذلك من جانب الأطراف الأخرى في البلاد لأنها أبرمت بين صدام حسين وشاه إيران، وأن العراق سبق أن أعلن مرارا رفضه لتلك المعاهدة أو التوقيع على بيانات مشتركة مع الجانب الإيراني بسبب دعوة المسئولين الإيرانيين إلى تضمين تلك البيانات بعض الفقرات التي تشير إلى نصوص معاهدة الجزائر»، لكن الغريب أن الخارجية العراقية وعلى لسان وكيلها محمود الحاج حذرت من أن إعلان الطالباني إلغاء معاهدة الجزائر الموقعة بين العراق وإيران قد يثير مخاوف طهران بسبب فقدانها نصيبها من شط العرب الذي كانت تتقاسمه مع العراق منذ العام 1975، وأن المحادثات المرتقبة ستركز على موضوع شط العرب وليس معاهدة الجزائر لأنها ليست موضع نقاش، وكذلك الحال بالنسبة إلى رئاسة الوزراء العراقية عندما أعلنت أنها «فوجئت بإعلان الطالباني إلغاء معاهدة الجزائر، لأن هذا الموضوع لم يطرح أساسا خلال جولات الحوار الكثيرة بيننا وبين الجارة إيران، وإعلان إلغاء المعاهدة بهذه الطريقة سيؤدي حتما إلى نتائج سلبية ولاسيما في الملف الأمني، ويبدو أن هناك رسالة ما أراد الرئيس الطالباني إيصالها للإيرانيين نجهلها نحن»! وإذا كان التناقض بين رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية ورئاسة الوزراء وصل إلى هذا الحدِّ، فإن الأمر يعني أن هذا البلد لا يعيش محاصصات طائفية أو مذهبية بل أيضا محاصصات إقليمية ودولية! بل الأكثر أن الطالباني وفي استدراك سريع منه قال من مقر إقامته في السليمانية مساء الجمعة الماضي عقب استقباله السفير الإيراني في بغداد حسن كاظمي قمي إن تصريحاته بشأن اتفاق الجزائر بين العراق وإيران «لم تُنقل بشكل دقيق» وأن «هذه الاتفاقية بنظر القانون والأعراف الدولية يعتبر قائمة ونافذة»، مضيفا «أننا في عهد المعارضة، عندما كنا نعارض النظام الدكتاتوري، كنا نعارض هذه الاتفاقية باعتبارها اتفاقية بين الجلادين شاه إيران وصدام حسين، ولكن الأوضاع تبدلت عندما تحررت إيران وجاءت الجمهورية الإسلامية الإيرانية الصديقة لشعبنا، وتحرر العراق من الدكتاتورية وجاءت الجمهورية العراقية الصديقة لإيران»!

وربما تكون هذه الحادثة المُمَسْرحة إحدى قيم الصراع داخل الدولة العراقية ومدى انسجام علاقاتها الدولية والإقليمية مع الخط العام للهوية العراقية ومفاعليها في مجال السياسة والتحالفات القائمة. وفي حادثة أخرى تُبيّن حجم الاستقطاب بين المحورين الخصمين، قال رئيس لجنة الأوقاف والسياحة الدينية في محافظة كربلاء أحمد الحسيني قبل أربعة أيام، إن إيران تهيمن على العتبات المقدسة في كربلاء وأنها تهرب أسلحة حديثة وبنادق خاصة للقناصة بجوار مرقدي الإمامين العسكريين بحجة حمايتهما، في حين رد محافظ كربلاء عقيل الخزعلي على هذه التصريحات بأن «الذين يتهمون إيران بالهيمنة على المرقدين الشريفين في كربلاء هم سياسيون فاشلون، ومتسولون»! وهي إحدى مظاهر القيم التي تمت الإشارة إليها سلفا.

بطبيعة الحال، فإن ضبط التوجهات والمسارات الاستراتيجية للدولة العراقية هي هدف مركزي ومهم بالنسبة إلى الإيرانيين والأميركيين معا، فطهران تريد أن تُحيِّد حدودها مع العراق ما أمكن وتحاشي تحولها إلى ممر عبور سواء للقوات الأميركية أو للمنظمات الإيرانية المسلحة المعارضة وخصوصا بعد تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأخيرة بأن واشنطن تسعى إلى تدبير انقلاب عسكري ضد طهران، والأميركيون يريدون إبعاد التوجهات الراديكالية عن القرار العراقي بهدف إيجاد الآليات التي تسمح لهم بالبقاء في قواعد دائمة أو ربط الحكومات العراقية بعقود نفطية أو أمنية طويلة الأمد.

الإيرانيون سعوا إلى ربط السياسة العراقية الاقتصادية والاجتماعية بهم لضمان تأثيرهم على القرار العراقي فرفعوا موازنتهم التجارية مع بغداد إلى ملياري دولار، ووقعوا خلال الأعوام التي تلت احتلال العراق أكثر من سبعين وثيقة للتعاون في مختلف المجالات، كما زودوا محافظة البصرة بالطاقة الكهربائية وطبعوا الكتب المدرسية ودخلوا في مشروعات إسكانية واسعة، وبالتالي فهم يُزاحمون الأميركيين في ضبط توجهات الدولة الجديدة وخصوصا أن واشنطن مازالت غارقة في الخيارات الأمنية والعسكرية المباشرة.

الإيرانيون ربما يواجهون واقعا سياسيا جديدا داخل العراق إثر التسويات التي من المفترض أن تقوم بين الفرقاء السياسيين، وبعد تعديل قانون اجتثاث البعث التي كانت تدعمه بقوة، والأميركيون ربما يواجهون أيضا واقعا جديدا يتمثل في خلق الحيّزات السياسية والمؤسساتية التي يُمكنها استيعاب الترتيبات الطارئة التي تدفع بها واشنطن في ظل سيطرة الائتلاف الشيعي على الحكم وبقاء الصدريين أو جيوب منهم خارج الضبط العمودي وإصرارهم على خيار الصدام والتمرد.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1942 - الأحد 30 ديسمبر 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً