نستطيع أن نقتل فينا أفق التطلع للحلول والحوار لصالح لحظات البطولة الكاذبة والمبالغة في الفعل وردة الفعل، نستطيع أن نرد على الأخطاء بمثلها وأكثر وأن نعصف بالوسطيين هنا وهناك، أن نحيِّدهم بهدف أن تزداد وتتسارع وتيرة التعجيل في القضاء على جميع الأشياء الهادئة والحكيمة فينا. مَنْ مِنّا لا يستطيع أن يزيد وتيرة الاشتعال عبر عمود صحافي هنا، وعمود آخر هناك. ضع محتوى صحافتنا المحلية في كفة الميزان كل شهر، ستجد أن لا شيء سوى لغة التحشيد والتصادم والردود على الردود التي كانت ردودا في البدء. منتوج صحافي مبني على الصراع الثنائي الذي لا يضيره الجلوس أمام معاجم اللغات لانتقاء أكثر الكلمات إيذاء وأقلها وطأة تحت مقصلة القانون، لا تكتب الأسماء مباشرة، واكتب ما تريد، هل هذه هي خاتمة الصحافة الجديدة في البحرين؟
جسد هذه الصحافة ممزق تحت وطأة “السياسي” الذي لا يريد لها أن تكون في مكانها الصحيح، وفي ميزان الحكم العادل، تقوضت سلطة الصحافة وانصاعت لسلطة الشتامين والنمامين والطائفيين، مَنْ منّا لا يكتب باسم الطائفة؟ حتى الصحافي الذي يدعي العلمانية، ها هو يكتب بمثل ما تشتهي أنفاس الطائفة، لكنه يقفل الجملة تلو الأخرى بتعبير “شيعة وسنة”، وهل تكفي تلك القفلة ليبرهن المغروس في حقل الطائفية، على أنه بلا جذور تُحرك كلماته وموضوعته من دون أن يدري؟
الإعلام والصحافة اللذان يدعيان الحياد “كذبة” صدقها الصحافيون قبل الناس، كذبة اخترعها المهووسون بالمُثل والمهمات الرسولية وصدقها المستعدون لتصديق الأكاذيب مهما كبر سقفها. في الحقيقة، ليس ثمة نموذج واحد في العالم لصحيفة أو مؤسسة إعلامية محايدة، لكن ذلك أيضا، لا يمثل المشكلة. فالمشكلة، هي أن تكون إدارات وجهات النظر المبنية على المصالح، فاقدة لحس التوقيت الصحيح والهدف الواضح والنهاية المتوقعة، وهنا، نبدو جميعا شركاء في الدعوة إلى الخسارات الكبرى، ففي مثل هذه المعارك المزيفة والمجنونة لن يخرج أحد ما منتصرا.
أينها تلك الأسماء التي كانت تزايد وتكابر وتزابد وتدعي بأن جيل الصحافيين الشباب قد خرب ودمر؟ ها هي، تلك الأسماء تعود لاتجاه البوصلة الأولى، ويعود معها هذا الجيل كاملا، نعود لنقطة البداية، نمارس معا المزيد والمزيد من الكتابات/ الحماقات/ الكذب/ التلفيق/ التهويل/ التغييب. عن أي مدرسة للصحافة البحرينية كنا نتحدث، وكان القدماء يفخرون؟ ولماذا نلوم الصحافيين الشباب إن ضاعت بهم بوصلة التغطية والكتابة نحو مساحة الظلمة نفسها؟ هل نتعلم من جيل الكبار خبراتهم؟ نعم. نحن نقرأها كل يوم ونستفيد منها أيما استفادة.
كان صادقا من أطلق هذه العبارة: لا الدين ولا العلم يصنعان الحكمة!
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1942 - الأحد 30 ديسمبر 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1428هـ