العدد 1942 - الأحد 30 ديسمبر 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1428هـ

لبنان... والمظلة العربية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إعلان جامعة الدول العربية عن دعوة مجلس وزراء الخارجية العرب إلى الانعقاد في القاهرة مطلع السنة الميلادية المقبلة للبحث في أزمة لبنان وتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية يعتبر خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح. فهذا البلد الصغير الذي انكشف دوليا وتحولت ساحته المحروقة إلى أرض مفتوحة للتجاذبات الإقليمية المعطوفة على استقطابات أهلية بعد العدوان الأميركي - الإسرائيلي في صيف 2006 يحتاج فعلا إلى غطاء عربي يعطل سياسة التقويض المفتعلة.

عدوان 2006 استهدف المقاومة والدولة معا. وكانت خطة العدوان دفع المقاومة إلى الداخل وعزلها عن الحدود وتوريطها في تعارضات محلية، كذلك ضرب المشروع العربي وتحطيم الدولة وتقطيع أوصال لبنان ومنع قيامه وإعادة إعماره. فالعدوان في رؤيته العامة جاء في سياق استراتيجية تقويض دول «الشرق الأوسط» واستنهاض العلاقات الأهلية وإخراجها إلى الساحة السياسية لتلعب دور البديل الموضعي الطامح لتأسيس «دويلات» محلية تتحكم بالمناطق ذات اللون الواحد.

هذا «النموذج» الذي نجح إلى حد كبير في العراق بعد احتلاله وتقويض دولته وتفجير علاقاته الأهلية تحاول الإدارة الأميركي تعميمه في مناطق سيطرتها أو في الأمكنة التي تستطيع التأثير عليها. فهي مثلا فرضته إلى حد ما في أفغانستان وتحاول الآن نقله إلى باكستان بعد اغتيال بينظير بوتو. والإدارة لا تتردد في توسيع نطاق نموذج «فيدراليات المناطق» إلى السودان (دارفور والجنوب) والصومال (حكومات قبلية) وفلسطين (غزة والقطاع) ولبنان في حال استمرت «الفوضى الدستورية» إلى أمد غير معلوم.

لبنان لم يأخذ قسطه من الراحة منذ التمديد للرئيس السابق في 2004. وهو منذ تلك الفترة يمر من أزمة إلى أخرى. وجاء العدوان في سياق استراتيجية كبرى تريد تفكيك الدول وبعثرتها إلى دويلات طوائف ومذاهب. وما حصل في البلد الصغير بعد توقت العدوان يؤكد وجود خطة تقويض تعتمد سياسة الأزمات المتدحرجة والمتنقلة من الجنوب إلى الشمال (حرب نهر البارد) ومن الجبل إلى الوسط (تفجيرات، اغتيالات، اعتصامات، إقفال مجلس النواب).

خطة التقويض نقطة مهمة في الاستراتيجية الأميركية. وهي لا تنجح إلا في إضعاف الدولة وتقوية الطوائف والمذاهب على المؤسسات التي تمثل الحد الأدنى المشترك للوحدة الوطنية. وسياسة الشرذمة تحتاج دائما إلى أدوات إقليمية ومحلية تساعد على تمرير المشروع أو تساهم في تقديم التبريرات لنجاحه. والنجاح أيضا يحتاج إلى إعطاء ذرائع للتدخل من خلال تعطيل إمكانات التفاهم المحلية وسد قنوات التواصل الدستورية والمؤسساتية.

هذه السياسة الدولية برزت بوضوح بعد عدوان 2006 حين انكشف لبنان وتحول إلى ساحة مفتوحة للتجاذبات الإقليمية والجوارية تتضارب في مؤسساته مراكز قوى تتحكم في آلياتها انقسامات أهلية. والانقسامات الأهلية في بلد يعتمد النظام الطائفي تعني ميدانيا تمظهر المذاهب في صورة استقطابات لا وظيفة لها سوى تعطيل المؤسسات وإقفال مجلس النواب وإضعاف دولة هي أصلا محكومة بالشلل وتعاني تقليديا من «الفشل الكلوي».

غياب المظلة

تحرك جامعة الدول العربية خطوة جيدة في الاتجاه الصحيح، ولكن الخوف يتأتى من كون التوجه السليم جاء في «الوقت الضائع» وبعد أن دخل الكيان السياسي في تجاذبات دولية وإقليمية واستقطابات أهلية واستقطاعات مذهبية وطائفية عطلت عليه إمكانات النهوض من تحت أنقاض عدوان 2006. فهذا البلد الصغير لم يعد كما كان عليه قبل العدوان. فهو خرج مقطع الأوصال وغير قادر على الوقوف من شدة الضربات التي وجهت إلى بنيته التحتية وما رافقها من تحطيم شامل لقراه وبلداته الواقعة على الحدود بهدف منع أهل الجنوب من العودة إلى مساكنهم ومزارعهم ومصادر رزقهم.

«الوقت الضائع» هو الوجه الآخر لسياسة تفريغ ما تبقى من مؤسسات باتت الآن على قاب قوسين من الانهيار في حال تواصلت لعبة تمديد انتخاب الرئيس الوفاقي والتوافقي إلى فترة زمنية غير معلومة. و «الوقت الضائع» الذي وصفه السفير الأميركي بـ «الفراغ الهادئ» يشبه ذاك «الهدوء المنظم» الذي ساد العراق لحظات بسيطة بعد الاحتلال لتنفجر بعده تلك الموجات من العنف الأهلي.

الخوف على لبنان أن تتكرر تجربة العراق. فالعراق الذي تقوضت دولته بعد العدوان اضطرب أهليا وعصف به العنف وتحول إلى ساحة مكشوفة للتجاذبات الإقليمية. وهذا ما أدى إلى ضرب مشروع الدولة في بلاد الرافدين وإخراج العراق من المعادلة العربية. الخوف أن يذهب لبنان في المصير العراقي ويكون عرضة للتفكيك الواقعي، الأمر الذي يخرجه قطعا من المعادلة العربية ويصبح مجرد ساحة محروقة لتوجيه الرسائل الدولية والإقليمية.

تعطيل الدور العربي في لبنان كان من أهداف عدوان صيف 2006، وهذا الأمر لا يحصل إلا بعد تمرير خطة التقويض ودفع العلاقات الأهلية إلى التأزم السياسي. وهذا ما حصل في الفترة التي فصلت بين توقف العدوان ودخول بلاد الأرز مرحلة «الفراغ الرئاسي». فهذه الفترة الزمنية الفاصلة شكلت سياسيا منطقة فارغة عطلت إمكانات نهوض الدولة (الضعيفة والمشلولة أصلا) وأضعفت الدور العربي ومنعته من التدخل لإعادة هيكلة مشروع الإعمار والبناء.

إضعاف الدور العربي يعني موضوعيا ترك الساحة اللبنانية مفتوحة للتجاذبات الدولية والتقاطعات الإقليمية والجوارية وما يرافقها من اتصالات ولقاءات «فنية» و «تقنية» معلومة ومجهولة لتقرير مصير البلد الصغير ورسم خريطته الداخلية على غرار ما حصل ويحصل في العراق.

توجيه جامعة الدول العربية دعوة إلى عقد دورة لمجلس وزراء الخارجية لمناقشة الأزمة اللبنانية خطوة ضرورية لابد منها للحد من تعاظم السياسة الدولية التدخلية في مسألة تمس سيادة البلد ووحدته. والتدخل العربي يعتبر حاجة لبنانية لأنه يعيد التوازن لمعادلة تعرضت للعدوان في صيف 2006 وأدت إلى تفريغ دور المؤسسات وفتح الساحة للتجاذبات الأهلية المعطوفة على تقاطعات إقليمية.

المشكلة في الدعوة العربية أنها جاءت متأخرة وفي «الوقت الضائع». وهذا الأمر يزيد من مخاطر فشلها أو على الأقل يعطل قدرتها على استعادة ذاك الدور الذي تمزقت فاعليته السياسية والميدانية بعد العدوان. فهناك الآن صعوبات كثيرة تواجه عودة الدور العربي للعب موقعه التقليدي في إعادة التوازن إلى ساحة تتعرض يوميا إلى ضغوط محلية وإقليمية وتتقاطع في وسطها شبكة اتصالات ولقاءات تهدد بفتح أبواب لبنان على مسارات أخرى.

عدم توقع نجاح الجامعة العربية في مبادرتها المتأخرة لا يعني الإقلاع عنها. فالدعوة إلى بحث المشكلة تجدد الأمل باحتمال تصريف قنوات أزمة أهلية وصلت إلى طرق مقفلة ولم يعد بالإمكان تحاشي انفجارها إلا بتدخل عربي كبير يخفف من نسبة ارتفاع موجة التقاطعات الدولية والإقليمية التي أرخت بثقلها على بلاد الأرز.

لبنان المكشوف دوليا يحتاج إلى مظلة عربية لحمايته من التدخلات والحد من تلك التجاذبات الإقليمية المعطوفة على استقطابات أهلية لا فائدة منها سوى جره إلى دمار يحاكي من قريب وبعيد النموذج العراقي.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1942 - الأحد 30 ديسمبر 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً