العدد 1941 - السبت 29 ديسمبر 2007م الموافق 19 ذي الحجة 1428هـ

أزمة بطالة أم أزمة تدريب أم ماذا؟

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما تتعايش البطالة في سوق عمل متخم بعمالة أجنبية تعادل 70 في المئة من حجم السوق فذلك دليل على وجود خلل مسبب لهذه التشوهات كامن في مكان ما، حينها تصبح الحاجة لمعالجته ماسة جدا لأسباب عدّة أهمّها انتشار ظاهرة الفقر بسبب التعطل في مجتمع يعج بالمشاريع العملاقة وتتآكل فيه حجم الطبقة الوسطى بسبب ارتفاع وتيرة التضخم. في ظل هذه التناقضات والفوارق الاجتماعية تصبح البيئة مهيئة للاستقطاب السياسي، فتتكررأحداث الماضي المؤلمة بين فينه وأخرى، وتتحوّل مسألة البطالة إلى مشكلة سياسية مزمنة تقوض مساعي إشراك وادماج العمالة الوطنية في التنمية، والتي هي أهداف تخدم في نهاية المطاف مصالح جميع مكونات المجتمع.

لقد نتج عن ارتفاع أسعارالنفط توفر سيولة هائلة في المنطقة تمخضت عن بروز مشاريع كبيرة استقطبت عددا هائلا من القوى العاملة الأجنبية بلغت بحسب احصاءات وزارة العمل (112000) رخصة عمل تم اصدارها خلال العام 2007 فقط؛ أي ما يعادل ربع السكّان البحرينيين تقريبا مما يعني أنّ القوى العاملة الأجنبية هي المستفيد الأوّل من فرص العمل التي توفرها المشاريع الوطنية. فما هي الأسباب الكامنة وراء هذه المحنة المزمنة؟ وهل هي بالفعل مشكلة عصية على الحل؟

إنّ لمشكلة البطالة في مملكة البحرين أسبابا كثيرة متداخلة ومعقدة نورد منها ما يلي:

-1 سياسة تطوير القوى البشرية:

هناك خلط واضح بين التدريب والتعليم أدّى إلى توزيع مهام التدريب بين جهازين هما: وزارة التربية والتعليم ووزارة العمل. فالتعليم الصناعي الذي بدأ العمل به منذ مطلع الخمسينات مازال حتى بعد التطورات في مناهج التعليم جزءا من وزارة التربية. وهذا النوع من التعليم هو في حقيقته تدريب على أعمال حرفية كالنجارة والخراطة، وأعمال فنية أخرى في مجال الكهرباء وصيانة الآليات والعربات. وقد حال هذا التداخل في المسئوليات من تكوين جهازمستقل يهتم برسم وتوجيه سياسة تطوير القوى العاملة في ظل التجاذب الحاصل بين المؤسسات الرسمية المعنية. كما أدّى إلى استنـزاف وتشتيت المواد المالية التي ترصدها الحكومة لأغراض التدريب، وفوّت على القطاع الخاص فرصة الاستفادة مما يدفعه من رسوم لأغراض التدريب. إن غياب استراتيجية واضحة لتطوير القوى البشرية تركزعلى سد الفجوة الحاصلة بين احتياجات السوق وسياسات وبرامج مؤسسات التدريب القائمة أدى إلى تفاقم مشكلة المواطن الأمي مهنيا بالرغم مما يتلقاه من تعليم عام حتى بلوغه السن القانونية للدخول في سوق العمل. وفي ذلك كله هدر لموارد تستهلك بدلا من أن تستثمر وهذا يفسر لنا غياب مؤسسات التدريب المهني التي تستقطب الطلبة والتلاميذ الذين لا يمكنهم مواصلة التعليم الجامعي لسبب أو لآخر. وحتى المؤسسة الوحيدة القائمة نحت ببرامجها التدريبية بعيدا عن التدريب المهني بالمعنى الذي يحتاج إليه سوق العمل.

لقد تركّزت سياسة التدريب في البحرين منذ ما يزيد على ربع قرن على المركزية المتمثلة في استحصال الحكومة لرسوم التدريب من القطاع الخاص مقابل تزويده بالقوى العاملة المدربة. ورغم فشل هذا النمط من الرعاية الأبوية، وبالرغم من نمو القطاع الخاص وبلوغه سن الرشد إلا أنّ هذه السياسة المتبعة مازالت تراه قاصرا غير كامل الأهلية، وكان بالأحرى تحميله مسئولية التدريب ومحاسبته ودعمه بتوفيرالبنية التحتية اللازمة كما هو الحال بالنسبة لقطاع البنوك، بدلا من تعزيز سياسة الرعاية الأبوية القائمة من خلال التشريعات التي صدرت العام 2006.

2 - سياسة الأجور:

في علم الاقتصاد هناك علاقة مباشرة بين مستوى الأجور (السعر) وحجم العرض والطلب. وفي الاقتصاد التربوي هناك مايسمّى بنظرية العائد أو مايطلق عليه Rate of Return. فالإنسان الراشد يميل في الغالب للتعليم والتدريب الذي يوفر له وظيفة أو مهنة تدرعليه عائدا مجزيا.

أما إذا كان الأجر المخصص للوظيفة أو المهنة لا ينشله من حالة الفقر فإنّ الإقبال للتدريب على هذا النوع من المهن (الطلب) يكون شبه معدوما. وفي الدول المتقدمة عولجت هذه الاشكالية بسياسة الحد الأدنى للأجور الذي يرفضه البعض في مجتمعاتنا لأسباب معروفة بحجة أن الاقتصاد الحر يترك تحديد السعر فيه لعامل العرض والطلب. وهذا كلام خير أريد به تحقيق مصالح خاصة بعيدة عن مصلحة الوطن وأمنه واستقراره. والمفارقة أنّ الدول الرأسمالية العتيدة التي أسست لاقتصاد السوق هي التي تعمل بنظام الحد الأدنى للأجور، إلا أننا يبدو قد سبقناهم في رأسماليتنا الوطنية التي نريد من خلالها فتح السوق على مصراعيه على العمالة الوافدة لتزاحم العمالة الوطنية المدربة حتى في القطاع المصرفي، ناهيك عن القطاعات الأخرى الأقل تنظيما. إنّ عامل العرض والطلب في الاقتصاد المفتوح له متطلباته ومنها تعريف حدود السوق Boundries وعدم تركها مفتوحة بلا ضوابط حماية للصناعة المحلية، وحتى اتفاقيات التجارة الحرة التي تبرمها الدول المتقدمة مع الدول الأخرى أو فيما بينها تخضع لمعايير الحماية الوطنية للمنتج المحلي. من هنا حين يطالب البعض بإلغاء البحرنة وفتح السوق على مصراعيه للعمالة الوافدة وعدم وضع حد أدنى للأجور فإن هذا المنحى بعيدا جدا عن ممارسات اقتصاد السوق، بل من شأنه إغراق الوطن في فوضى لا نهاية لها، وزيادة نسبة الفقر التي ستعجز الصناديق الخيرية عن ملاحقته، ناهيك عن إيجاد هيمنة أجنبية شاملة على الوظائف في السوق المحلية، وزيادة تغريب المواطن على أرضه. إنّ عدم إيجاد سياسة سليمة ومعلنه لتنمية المصادر البشرية مدعاة للتساؤل، وهذا يقودنا للشق الأخير من المقال.

أم أزمة سياسة؟

لقد تناولنا سلفا أمورا مثبتة علميا و منطقيا. فلكي تتوافرالقوى العاملة المدربة لابدّ من انتهاج سياسة وطنية لتطوير القوى البشرية، ولتوسيع قاعدة الطلب على المهن وخصوصا الفنية

و الحرفية لابدّ من وجود حوافز وعوائد مجزية لتشجيع الإقبال على مختلف هذه المهن، وهذا لا يتحقق من دون سياسة واضحة للأجور تأخذ بمبدأ الحد الأدنى والأجر العادل المتناسق ومستوى المعيشة في المملكة كما هو الحال عليه في الدول الأخرى،كما لابدّ من وضع حدود لسوق العمل الوطنية Boundaries لتجنب المنافسة غير المتكافئة من قبل القوى العاملة الوافدة، فلا توجد سوق عمل بلا ضوابط ومفتوحة على أسواق عمل لها خصوصياتها الاقتصادية وذات مستويات معيشية مغايرة. فما هو ياترى السبب الذي يحول دون وضع سياسة مكتوبة وخطة عمل واضحة لتنظيم أسس تنمية القوى البشرية؟

إنّ سياسة الوضع الراهن Status Que مليئة بالمخاطر، فاستيراد قوى عاملة أجنبية تعادل ربع السكّان في عام واحد أمرٌ في غاية الخطورة إذا ما استمرت عملية الاستيراد على هذه الوتيرة. فالبحرين ليست دبي من حيث التركيبة الديمغرافية حيث نسبة البطالة بين السكّان في دبي شبه معدومة، في حين تبنت البحرين سياسة التأمين ضد التعطل مدللة بذلك على عجز القطاعين العام والخاص عن استيعاب المواطنين العاطلين في سوق عمل متخم بالأجانب، ومتناسين أنّ التعطل سيبقى قائما حتى لو مُنح الإنسان مبلغا من المال لانتشاله من الجوع فهذا لا يمنحه كرامته المسلوبة بسبب حرمانه من فرص التأهيل والعمل، في حين يعمل الآخرون في وطنه.

إنّ مواجهة الحقيقة بمسئولية كاملة تفرض علينا الاعتراف بأن مايوحّد مواقف الناس ليست الشعارات السياسية، بل أنّ ما يصيغ توجهات المجتمع هو المستوى المعيشي المشترك، فالفقر يوحّد الفقراء وكذلك البطالة والأحياء السكنية المتهالكة، وكلّها نتاج لسياسات خاطئة تتمثل في التمييز والإقصاء والمبالغة في عقدة الخوف والشك ومقولة عدم الولاء، والتي بدورها تولد اتجاهات سياسية مضادة تضر جميعها بالتوافق والتعايش الوطني والسلم الأهلي، لذلك فهي سياسات لا تخدم الأمن والاستقرارالمنشود كما أثبتتها تجربة تدشين الإصلاح حيث توحّد الناس حول الميثاق والشرعية وعبّروا عن حبّهم للوطن والقيادة؛ لأن المشروع لامس تطلعاتهم في المساواة والفرص المتكافئة وحكم القاونون. ولم يلتفتوا للشعارات السياسية اوالاستقطاب الخارجي أو سلبيات الماضي المرير، والذي لا يليق بنا استحضاره مرة أخرى.

إن للبطالة جذورها، وللتلكؤ في تدريب وتطويرالقوى العاملة الوطنية أسبابه، وعلاج المشكلة يكمن في إزالة مسبباتها.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 1941 - السبت 29 ديسمبر 2007م الموافق 19 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً