بعد أكثر من قرنٍ من استباحة الآثار المصرية، على أيدي تجّار الداخل والخارج، بدأت أمس مصر تناقش قانونا من 33 مادة، يعتبر الآثار ملكية عامّة للدولة.
المصريون المعاصرون ينامون على أرضٍ من الكنوز الأثرية، التي خلّفها لهم الأجداد، وظلّت لأكثر من قرنٍ نهبا للمغامرين والمهرّبين وسرّاق الآثار... يعتصرونها كضروع البقرة الحلوب.
اليوم، تفاخر مصر بهذه الآثار، مع أن كل ما يعمله الجيل الحالي هو استغلالها سياحيا لجلب مزيد من العملة الصعبة. وحريٌ ببلدانٍ كهذه أنْ توضع تحت وصاية المنظمات الدولية كاليونسكو لضمان الحفاظ على تراثها التاريخي من الضياع.
وليس حالنا أفضل من حال شقيقتنا الكبرى مصر، فآثارنا لم نكتشفها نحن وإنما اكتشفتها بعثات الآثار الأجنبية، الدنماركية والفرنسية، التي كرّست جهودها لاستكشاف طبقات تاريخ هذا البلد العريق. ولعلّ آخر الأمثلة اكتشاف آثار قصريعود إلى حقبة دلمون قبل أربعة آلاف سنة، على أيدي علماء آثارمن متحف موسكارد بالدنمارك، ويقع شرق منطقة عالي.
وكالة أنباء (بنا) التي أوردت الخبر في فبراير/شباط الماضي، نقلت عن مسئول قسم الآثار الشرقية بالمتحف فلامنغ هولجند، أن «البعثة أنجزت اكتشافين مهمين: اكتشاف القصر الكبير بمساحة قدرها 1770 مترا مربعا؛ والحصول على دلالات جديدة عن تطوّر مملكة دلمون بعد تحليل صور فوتغرافية جوية».
في العام 2005، احتفلت البحرين بالذكرى الخمسين لاكتشاف حضارة دلمون، وذلك في موقع قلعة البحرين (البرتغال سابقا)، بحضور كبارالمسئولين والوزراء، ورئيسى مجلسي النواب والشورى ورجال السلك الدبلوماسى ومديري المتاحف وعلماء الآثارعربا وأجانب. وقد تم عرض نموذج لمخيّم بعثة الآثار الدنماركية التي قامت بأعمال التنقيب في القلعة التاريخية، التي تمثّل طبقاتها سجلا للحضارات المتعاقبة على حكم هذا الأرخبيل الجميل.
هذه الاكتشافات وضعت البحرين على خارطة الآثار العالمية، باعتبارها جسرا بين حضارات وادي السند وبلاد الرافدين، ولم يكن لنا -نحن البحرينيين- فضلٌ في ذلك، ففي الوقت الذي بدأت حملة التنقيب الدنماركية أعمالها، كانت البلد تمرّ بفترة مخاض سياسي كبير، أيام «هيئة الاتحاد الوطني». وفي مرحلةٍ لاحقةٍ من الاستقلال، تكفّلت وزارة الإعلام بأعمال ترميم للمواقع وتنظيم معارض أثرية في الخارج. في المقابل، كانت هناك عملية تدمير لأكبر مقبرة أثرية تاريخية في العالم تجري تحت سمع الوزارة وبصرها من دون أن تحرّك ساكنا. بل إنّ هذا التعدّي الصارخ على الآثار لم يحرّك الغيورين على الثقافة وربيعها، لإصدار بيان أو موقف استنكار، لتمرالجريمة بهدوء وتواطؤ يدعو للارتياب.
وحسنا فعل النائب عن كتلة «الوفاق»، السيدعبدالله العالي، بدعوته لدراسة قانون حماية الآثار وتعديل ثغراته، من أجل الحفاظ على المواقع الأثرية والآثار المنقولة والثابتة، فمثل هذه الكنوزلا تعوّض، خصوصا بعد إقدام أحد المتنفذين على إزالة مساحة كبيرة جدا من تلال عالي الأثرية تحت جنح الظلام.
الوفاق تحمّلت مسئوليتها وطالبت بضرورة حماية المواقع الأثرية ومنع التعدّي عليها، وهي مبادرة تُحسب للوفاق، والمطلوب من بقيّة الكتل دعمها، وعلى الأقل ألاّ يسيّسها بعض النواب بمناقشاتهم البيزنظية الطائفية، وإلاّ فإنّهم سيكونون شركاء في جريمة استباحة آثار البلاد.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1941 - السبت 29 ديسمبر 2007م الموافق 19 ذي الحجة 1428هـ