في الديمقراطيات العريقة، القانون من أجل تقييد تصرفات الدولة وتحديد سلطتها؛ حتى لا تفرط في تضييقها على حرية أفراد المجتمع، على حين التوجس من المجتمع في وضعنا يدفع الدولة لتجعل من القانون وسيلة خنق وتضييق على المعارضة، بدلا من كونه وسيلة تنظيم للعلاقات والأنشطة الاجتماعية لا غير.
معلوم أن التجمعات السلمية من أهم مقومات الاحتجاج على الدولة، والضغط عليها حتى تغيّر من سياستها.
وفي الدول الديمقراطية، يتم تسهيل مثل هذه التجمعات؛ حتى يمكن أن تسير عملية التغيير بالضغط الشعبي بسلام ومن دون إراقة دماء. ولكن ما الحل إذا كان قانون التجمعات نفسه الذي ينظم عملية الاحتجاجات السلمية، قانونا مخالفا للدستور في مبادئه العامة، ويعطي السلطة التنفيذية من الصلاحيات ما يحول دون القدرة على تفعيل دور التجمعات السلمية والاعتصامات وأثرها؟
في إحدى المرات، دعت المعارضة إلى مسيرة احتجاجية على التجنيس السياسي، إلا أن الدولة أنزلت قوات مكافحة الشغب ومنعت خط المسيرة المزمع اقتفاؤه، فما كان من منظميها إلا أن خضعوا وألغوها، وانتهى التجمع من دون أن يؤدي دوره.
كان الغضب يعتمل في أفئدة بعض الشباب، الذين أصرّوا على قيام المسيرة في خطها المعلن، وكادوا يذهبون في مواجهة مع قوات مكافحة الشغب، فاضطر منظمو المسيرة مع عدد من الحضور إلى بذل جهود مضنية حتى أثنوهم عن ذلك.
شعور الكثيرين بأن هذا الأسلوب في القبول بما تفرضه الدولة سيرجعنا إلى حقبة من تغولها أشد من الماضي هو الذي دفع البعض إلى رفض مثل هذا المنهج الذي اعتبروه شديد الليونة. وارتأوا أن الدولة ستطمع بسبب هذه المنهجية في العمل على فرض مزيد من التضييق على المعارضة يوما بعد يوم حتى تخنقها وتنهي دورها.
ولنقارن الفرق بين تصرف الحكومة سابقا بعد تدشين الميثاق الوطني من حيث التسامح مع التجمعات وتصرفها في الوقت الحالي.
ينقل إليّ رئيس إحدى النقابات العامة ما جرى بتاريخ 12ديسمبر/ كانون الأول 2007، حين اعتصم الاتحاد العمالي أمام مجلس الوزراء؛ تضامنا مع المفصولين من شركة المراعي؛ وتضامنا مع رئيس نقابة البريد جمال عتيق الذي تم إيقافه عن العمل خمسة أيام. هناك أمام مجلس الوزراء، فرض الضابط الذي حضر الاعتصام تغيير مكان الاعتصام من أمام مجلس الوزراء إلى الجهة الثانية المقابلة شمالا في الكورنيش، خلاف الاتفاق الذي تم مع الجهات الأمنية المختصة.
صحيح أنه يصعب الاقتناع بالتمرد على القانون كما يطرح البعض، فقد يؤدي ذلك إلى الفوضى ما بعدها فوضى، ولكن كيف يمكن حل الإشكال في ظل العمل بقانون مثل قانون التجمعات الذي تصرّ الحكومة مدعومة من «المولاة» على تثبيته؟
فإذا كان القانون الذي ينظم المطالبة السلمية هو من هذا النوع، فلابد أن يضيق إطار العمل السياسي السلمي ودوره حتى يتم إخلاؤه بالتدريج من مضمونه، ووظيفته المنتظرة من قِبل السلطة التنفيذية تماما، ومن ثمَّ العودة إلى حالة أمن الدولة، إذ بعد إكمال هذه المرحلة، ليس مأمونا أن يتم التضييق على الكتّاب الصحافيين، وإرهابهم، وتدريجيا يعود الحال إلى ما كان عليه قبل انتفاضة التسعينيات.
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1941 - السبت 29 ديسمبر 2007م الموافق 19 ذي الحجة 1428هـ