يبدو أن الدمار البيئي غير المسبوق الذي خلفه إنشاء جسر سترة الجديد في خليج توبلي وما يحيط به من مياه، الذي تجرع مرارته الصيادون والهواة لن يقف عند حد!... فبعد ما آلت إليه الأمور من شح واضح في كميات الأسماك، وموت مصائدها وموطنها، ها هو المنفذ الصغير الذي يمر من خلاله صيادو منطقة بلاد القديم يسد وأضحى الصيادون من دون عمل لمدة تتجاوز الأسبوع!
أسئلة كثيرة تطرح؛ فمن سيعوض الصيادين ماديا عن الخسائر التي تكبدوها جراء التوقف عن العمل الوحيد طوال هذه الفترة؟ وما يزيد الأمر صعوبة أن هناك معلومات مفادها أن الشركة القائمة على المشروع ستقوم بسد المنفذ لفترة تصل إلى ستة شهور، ما يعني أن الصيادين سيكونون من دون عمل طوال هذه الفترة، ولا ندري إن كان لدى الجهة المعنية خطة لتعويضهم وخصوصا أنها تعلم أن البحر هو مصدر الدخل الوحيد لهؤلاء الصيادين.
السؤال الآخر الذي لابد أن يناقش هو هل لدى الجهة المعنية دراسة وافية عن المعايير البيئية لسد المجرى المائي برمته، ولاسيما أن أحد الأساسيات التي يفقها حتى الجاهل أن إيقاف مسير المياه يؤدي إلى موت الكائنات البحرية ويتسبب في أضرار بالغة بالبيئة التي من المرجح أن لا تعود إلى سابق عهدها...
الغريب أن الثروة السمكية اقترحت توفير وسائل لنقل الصيادين إلى ميناء عبدالله أحمد ناس، ومن الطبيعي أن يرفض الصيادون هذا المقترح لأنه يعني تقييد الصياديين.
الأفق المظلم الذي يلوح في سماء المشكلة برمتها لا يبشر الصيادين بأي حل سريع على الأقل، وخصوصا أن تجربتهم مع المرفأ الموعود لم تحل منذ أربع سنوات، فالثروة السمكية تقول إن الأرض الحالية لا تصلح لأن تكون مرفأ إذ إن مساحة المرفأ لا تقل عن 44 × 300 متر مربع، وكانت هناك أرض مخصصة للمرفأ ولكنها خصصت في الفترة الأخيرة لإقامة حديقة وجامع في المنطقة. ولعل الصيادين لا يأملون أن يحصلوا على أرض تصلح معاييرها لأن تكون مرفأ بقدر ما يأملون أن تحل مشكلتهم لتيسير عملهم الذي يزداد صعوبة يوما بعد يوم.
وكمحصلة مخيفة، فإن الصيادين في هذه المنطقة يسيرون في نفق مظلم للغاية، فبعد الدمار الهائل الذي تعرض له خليج توبلي الذي قضى على معظم الثروة السمكية، يصلون اليوم إلى مرحلة لا يستطيعون فيها الدخول أو الخروج من خليج توبلي، ولا ندري ما الخطة الموضوعة لحل المشكلة ولاسيما أن الوضع يشير إلى غياب جدول العمل والخطة، وكل ذلك أفرز معاناة ما بعدها معاناة للصيادين البحرينيين في هذه المنطقة.
وعلى رغم أن مصير مصائد السمك في البحرين مصير مجهول، ففي الشمال لدينا المدينة الشمالية، وفي المحرق لدينا الدفان الجائر الذي لا يعرف التوقف، أوصدت الجرافات الطريق أمام الصيادين وأمام الكائنات البحرية لتنذر مجددا بأزمة بيئية قديمة جديدة، والمحافظة الوسطى ليست معزولة عن الحدث ويكفينا أن نجلس مع أحد الصيادين المحترفين لينقلنا معه إلى معاناته في خليج توبلي وغير الخليج.
لا ندري ما الذي ستحمله الأيام القليلة المقبلة من مفاجآت متوقعة عن الوضع البيئي في ظل التراكمات المستمرة من تدمير وقتل لكل ما يهش وينش على الأرض وفي البحر والجو، ولن يبقى حينها إلا العض على أصابع الندم، لأن اللعب وخلخلة النظام البيئي لا يخلف إلا دمارا للبشرية، ولنا فيما يحدث في المدن الصناعية الكبرى عبرة حسنة... ولكن، ومع معرفة المعنيين بالدمار البيئي وأثره على المواطنين والقائمين، فإن همهم الوحيد يبدو محصورا في الربح المادي السريع من وراء المباني الشاهقة والمشروعات «الهرفية» على حساب البحر والبر، وعلى حساب الإنسان قبل كل شيء.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1940 - الجمعة 28 ديسمبر 2007م الموافق 18 ذي الحجة 1428هـ