العدد 1939 - الخميس 27 ديسمبر 2007م الموافق 17 ذي الحجة 1428هـ

«بي نظير»... نهاية أسرة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كانت باكستان مساء أمس، على موعد مع مشهد دموي آخر، من نوع البشارة الأميركية بولادة شرق أوسط جديد. فقبيل غروب شمس الخميس تم اغتيال بي نظير بوتو، أول رئيسة وزراء في دولة إسلامية في العصر الحديث.

الأب ذوالفقار علي بوتو تولّى الرئاسة في أعقاب هزيمة بلاده في حربها مع الهند في 1971، وانتخب بطريقة ديمقراطية في 1973، وكان من أوائل من فكّر في امتلاك القوة النووية لبلاده لتحقيق التوازن مع جارته اللدود (الهند). ولأن الوصيّ الأكبر على العالم (الولايات المتحدة) لم يكن راضيا على هذا المسعى، فضلا عن بعض توجهاته الاشتراكية من تأميم البنوك وسيطرة الدولة على الصناعة... تحرّك الجيش في 1976 بقيادة الجنرال ضياء الحق للقبض على بوتو بتهمة «التلاعب بالديمقراطية»!

قُدِّم الرجل إلى المحكمة، وحُكم عليه بالإعدام، وفي أبريل/ نيسان 1979 أخرج من زنزانته ليعلّق على المشنقة عن 51 عاما، ولم تجدِ مناشدات بعض العواصم العربية والعالمية في إنقاذه، بل إن موفدا خليجيا حاول مقابلة الجنرال لإيقاف التنفيذ، إلاّ أنه تلكأ في استقباله حتى أتمّ المهمة.

الأب الذي تزوّج مرتين، أنجب من زوجته الثانية (إيرانية) ولدين: شاهنواز (قُتل في فرنسا في 1985)، ومرتضى (اغتيل في باكستان في 1996)، وبنتا يبدو أنه كان يحبّها أكثر، إذ أسماها «بلا نظير».

الجنرال الذي رفع شعار «تطبيق الحدود الشرعية» لخداع الباكستانيين والتيارات الإسلامية، وقبيل إعدام الأب، اعتقل ابنته أيضا، لتقضي في السجن خمس سنوات عجاف، قضت أغلبها في سجن انفرادي، ظلت تعالج آثارها طويلا، وتتذكّرها طويلا طويلا. ومن لندن أخذت تدير حركة المعارضة ضد الجنرال.

وفي بلدٍ يتناوب عليه الحكم المدني والعسكر، وفي إحدى محطات الهدنة المؤقتة بين الطرفين، عادت بي نظير إلى باكستان العام 1986، واستقبلتها الجماهير في حشود ضخمة. وفي العام 1988 انتخبت رئيسة للوزارء، بينما اختفى عدوُّها ضياء الحق في عملية تفجير غامضة لطائرته في الجو.

وأعيد انتخابها مرة أخرى وأخيرة... في العام 1993، لكن في هذه المرة أدركها الضعف، فعيّنت زوجها آصف زرداري وزيرا للاستثمارات، ويبدو أنه ضَعُفَ أمام «الأموال»... فسرعان ما حامت حوله الشبهات باختلاس ملايين الدولارات، ما هوى بشعبيتها إلى القاع. وبينما ظلت تنكر بشدة التهم ضدَّها وضدَّ زوجها، هناك من يرى أن طمع الزوج هو الذي سرّع بإخراج الزوجة من الحكم.

في الانتخابات التالية، فاز غريمها نواز شريف، وتمّت إدانتها بقضايا فساد، فحزمت حقائبها وغادرت إلى دبي مع أولادها الثلاثة لتراقب الوضع من بعيد. وظهرت لاحقا بعض أشرطة التسجيل لبعض مساعدي نواز وهم يحاولون الضغط على أحد القضاة لإدانتها. وفي 2004، التحق بها زوجها بعد ثماني سنوات قضاها وراء القضبان.

في المنفى الاختياري، ظلّت بوتو تتردد على العواصم الغربية، فتلقي المحاضرات في الجامعات وتلتقي بكبار المسئولين، ومع كلِّ السلسلة الدموية من الجنرال ضياء الحق، لم تقطع شعرة معاوية مع خليفته مشرّف، ففاوضته على الرجوع واقتسام السلطة، وقدّرت أمرا... وقدّر الله أن تكون أمس، ممن برزوا من بيوتهم من «الذين كُتب عليهم القتل إلى مضاجعهم» في يوم دامٍ مهيب، حما الله الباكستان من سيل الدماء.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1939 - الخميس 27 ديسمبر 2007م الموافق 17 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً