العدد 1939 - الخميس 27 ديسمبر 2007م الموافق 17 ذي الحجة 1428هـ

أصل الديمقراطية وفصلها

الحركات الإسلامية والفكر المعاصر (5)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هناك سؤال غريب: هل تستطيع الديمقراطية أن تلغي نفسها إذا قررت الغالبية السكانية أن المصلحة العامة تقضي ذلك؟ إذا كان الجواب لا، فمن هي الجهة التي تمنع قرار إلغاء الديمقراطية؟ وهل من شروط الديمقراطية أن تكون ديمقراطية أم أن صلاحياتها مطلقة تصل إلى حد إلغاء نفسها؟ هل الديمقراطية هي حكم الشعب أم حكم الغالبية؟

إذا كانت حكم الشعب فهل معنى ذلك أنها حكم الوحدة الذي لا يقبل الانقسام، وإذا كانت حكم الغالبية فهل تعني أنها حكم الانقسام الذي يؤكد الوحدة ويحترم تمثيل الآخر المختلف؟ لنفترض مثلا أن 51 في المئة من الشعب قرر قتل 49 في المئة بذريعة أن الآخر يخفف من التزايد السكاني ويدفع عجلة الاقتصاد إلى التقدم والنمو. هل ينفذ الأمر، لأن الغالبية قررت ذلك ولأن مصلحة من تبقى من الناس تقضي ذلك؟

لنفترض أيضا أن 51 في المئة من الإسرائيليين قرروا طرد الشعب الفلسطيني من أراضي 1948 المحتلة والضفة الغربية وقطاع غزة، فهل تنفذ حكومة تل أبيب رغبة غالبية الشعب؟ لنفترض أيضا وأيضا أن 51 في المئة من الإسرائيليين صوتوا لصالح احتلال دمشق أو بيروت أو عمّان أو المدن الثلاث فهل يبادر الجيش الإسرائيلي إلى تنفيذ رغبة الغالبية الإسرائيلية؟ وأخيرا لنفترض أن الغالبية قررت هدم الكنائس والمساجد وتحريم الحلال وتحليل الحرام بداعي أنها مؤسسات اجتهادات «ظلامية» تعطل «التقدم والتنوير»، فهل تنفذ الدول رغبة الغالبية؟ وإذا كانت الديمقراطية مشروطة فمن يحدد تلك الشروط؟ وكيف؟

أسئلة «ثقيلة دم» ولكنها في النهاية أسئلة تضع من جهة علامات استفهام عن معنى الديمقراطية، كذلك تلقي من جهة أخرى الضوء على التباسات ومخاوف عدة يمكن أن تنشأ عند جهات سياسية وأقليات من «مخاطر» الديمقراطية الفالتة من الضوابط الدستورية والثوابت الإنسانية. لنتذكر هنا أن أدولف هتلر لم يأتِ السلطة من طريق الانقلاب العسكري بل بواسطة التصويت والاقتراع وصناديق الانتخاب.

تطرح الالتباسات سلسلة مخاوف؛ ما يفرض إعادة تعريف الديمقراطية. هناك الكثير من الفلاسفة وعلماء الاجتماع رفضوا فكرة الديمقراطية؛ لأنها تعني في النهاية سلطة الغوغاء الهائجة التي لا تعرف ماذا تريد، وحكم الجماهير المزاجية التي تتقلب في خياراتها وتتأثر بالإعلام والمال وأجهزة الدعاية، واشترطوا عليها الإكثار من الضوابط حتى يمكن السيطرة عليها وإدارتها في قنوات لا يجوز كسرها وإلا تحولت الغالبية المنتخبة إلى عدوان على الأقليات السياسية غير المنتخبة.

إذا لابد من احترام الأكثرية الأقلية، كذلك على الأقلية أن تحترم الأكثرية، ولكن مسألة الاحترام المتبادل تطرح إشكالا دستوريا: من هي الجهة التي تشرف على ضبط التوازن السياسي بين الأكثرية والأقلية؟ وما صلاحياتها؟ ومن يعيّنها؟ وهل تنتخب؟ وما مدى صلاحياتها؟ وكيف تنفذ قراراتها؟ وهل هي سلطة أعلى من البرلمان أم أنها من البرلمان أم تنتخب من خارجه؟

تطرح هذه اللوحة من الاعتراضات جملة أسئلة لتحديد معاصر وأدق لمسألة الديمقراطية، وفي الآن تكشف عن الخلل المنهجي في التعاطي مع الفكرة على المستويين: الدولة وأجهزتها، المجتمع وهيئاته.

كان لابد من هذا المدخل لنفهم التحديات الموضوعية للعملية الديمقراطية وتطورها الزمني، كذلك لندرك أكثر المعنى الضمني لمخاوف الحكومات من الانتخابات ونتائجها وتردد الكثير من المنظمات السياسية في تبني الديمقراطية إطارا وحيدا وجامعا لتنظيم العلاقة بين قوى المجتمع ومراكز الدولة.

حاول علي خليفة الكواري مثلا إعادة تعريف خصائص الديمقراطية المعاصرة في مقال له نشر في مجلة «المستقبل العربي» استنادا إلى نقطتين: بأنها «منهج وليست عقيدة» وهي «ممارسة دستورية». هي منهج «لاتخاذ القرارات العامة من قبل الملزمين بها» ومقيدة «بدستور يراعي الشروط التي تتراضى عليها القوى الفاعلة في المجتمع وتؤسس عليها الجماعة السياسية إجماعا كافيا»، وهي «تأخذ عقائد وقيم المجتمعات في الاعتبار». لذلك وهنا النقطة الثانية، هي «مقيدة وليست مطلقة» إذ لابد من دستور «تتراضى القوى الفاعلة على أحكامه، وتقبل الاحتكام إلى شرعيته». (العدد 168 فبراير/ شباط 1993).

حتى يتجنب الكواري تلك الأسئلة التي طرحت أعلاه أكد نسبية الديمقراطية، أنها عملية تاريخية متدرجة، وغاية لا نصل إليها، وهي في النهاية مؤشر على توازن القوى، ونجاح المجتمع في السيطرة على مصادر العنف وإدارة الاختلاف سلميا، وإخضاع السلطة لمزيد من الضوابط من خلال قيود دستورية أو تكييفها مع شرائع المجتمع وقيمه. ويستعرض الكواري بعدها محاولات واجتهادات رواد ما يسمى النهضة العربية في مقاربة الديمقراطية ومقارنتها بالشورى وتوافقها معها. ثم يشير إلى نواقص الديمقراطيات المعاصرة في الممارسة والمشاركة وتوزيع الثروة والعلاقات الدولية. وعلى رغم تلك الثغرات تبقى الديمقراطية أفضلَ وسيلة للاستجابة لمقتضيات التغيير من دون أن تصل إلى الكمال، إذ تلعب الممارسة دورها في تطويرها وتعديلها. وشرط نضج الديمقراطية وتقدمها هو توافر «المساوة السياسية بين المواطنين» والتوافق أو التراضي بين فعاليات المجتمع على «صيغة دستور ديمقراطي»، ويتجه الكواري نحو تبني تعريف روبت دال للديمقراطية بأنها «نظام حكم الكثرة».

ويستدرك الكواري في نهاية مقاله مخاطر فكرة «حكم الكثرة» في مجتمعات غير موحدة دينيا وسلبيات «الديمقراطيات العددية» في بلدان متنوعة عرقيا، فيشير من دون أن يحلل إلى «إشكالية استبداد الأغلبية في منطقة تتنوع فيها الديانات والمذاهب والسلالات والتركيبات الاجتماعية التقليدية». (مجلة «المستقبل العربي» العدد 168 فبراير 1993).

لعل الفكرة الأخيرة في مقال الكواري هي الأهم؛ لأنها الوحيدة التي تخرج الديمقراطية من عالم الأفكار إلى عالم الواقع وتؤسسها على الاجتماع والتاريخ لا على النظريات المجردة. فالفكرة الأخيرة تفتح النقاش على حقائقَ تاريخية ووقائعَ زمنية تسقط الكثير من الأوهام.

إعادة إنتاج الديمقراطية

يؤكد الاختلاف على تعريف الديمقراطية أن المسألة تتجاوز التعريف وتفرض ضرورة العمل على إعادة إنتاج الفكرة على مستويين: الأول، المعرفة. والثاني، التاريخ. فإعادة إنتاج الديمقراطية في ضوء المعرفة يساهم في تطور منظومة الأفكار التي تتغير بالتجربة وتطور حالات الزمان واختلاف المكان؛ ما يساعد على ربطها بتاريخ البشر ودرجة التطور وبنية الجماعة السياسية.

لاحظ الأمر المذكور الكثير من المفكرين العلمانيين والقوميين والمسلمين من عرب وغير عرب. وحاول بعضهم تقديم اقتراحات وأحيانا إجابات لتوضيح الالتباسات وتحديد الجوانب الاجتماعية إلى جانب الإطارات القانونية والتنظيمية والدستورية والفقهية. وساهمت تلك المحاولات في وضع المضامين الاجتماعية إلى جانب المفاهيم المعرفية لإعادة بلورة صيغة خاصة لتلك الآلية غير الواعية التي تلعب الدور الأساسي في إنتاج السياسة المعاصرة وتقرير مصير الدولة والمجتمع.

يشير جورج طرابيشي في مقاله عن «الديمقراطية والقومية والأقليات» إلى محاولات الدول الأوروبية توسيع مفهوم الديمقراطية، ويرى أن «حتى منتصف القرن العشرين كانت الديمقراطية تعني حصرا، وطبقا للتقاليد البرلمانية للثورة الإنكليزية والتقاليد الجمهورية للثورة الفرنسية، احترام التعددية الحزبية والسياسية ضمن نطاق الدولة القومية الواحدة، لكن هذه التعددية لم تعد في العقود الأخيرة محصورة بالنطاق السياسي، بل باتت شاملة للثقافة كما في الولايات المتحدة الأميركية، أو للغة كما في إسبانيا ما بعد الفرانكوية، أو للإثنية كما في فرنسا التي صار مباحا فيها الكلام على الشعب الكورسيكي أو البلد الباسكي» (مجلة «أبواب»، العدد 9، ص 150).

ويحاول إيليا حريق في مقاله «الثورة الإثنية والاندماج السياسي في الشرق الأوسط» التمييز بين الإثنية والعرق والطائفة. فالطائفة الإثنية تشترك في خصائصَ متماثلة «مثل لغة متميزة أو دين أو ثقافة أو تجربة تاريخية قائمة بذاتها» وهي في الآن تعي «اختلافها عن الطوائف الأخرى بفضل هذه الخاصيات نفسها». فالباحث إيليا حريق يربط بين خصائص الجماعة (أقلية أو أكثرية) وبين وعي الجماعة لاختلاف خصائصها. ويقول حريق إن الأمر المذكور لم يكن موجودا «عند منقلب القرن التاسع عشر»؛ لأن الإسلام عمل «على مرّ السنين على تلطيف الاختلافات الإثنية بين شعوب الشرق الأوسط»، وعندما صعد تيار القومية العلمانية إلى جانب الأصولية الدينية أخذت الصورة تتغير وبدأت «السمة الإدماجية للدين الإسلامي والثقافة الإسلامية» بالتغير والاهتزاز. (مجلة «أبواب»، العدد 9، ص 165).

بسبب حداثة المشكلة لم يلحظ فكر تيار القومية (العربية، التركية، الفارسية) المسألة وتأخر في اكتشاف «أن الديمقراطية إطار تنظيمي ضروري ليس فقط للتعددية في أحزاب الأمة وتياراتها السياسية، بل كذلك التعددية في إثنياتها ولغاتها (...) فضلا عن التعددية في شخصياتها القُطرية...». (طرابيشي، مجلة «أبواب»، العدد نفسه، ص 151).

وعلى رغم وجاهة ملاحظة طرابيشي، فإنه لا يعير اهتماما لاختلاف النمو التاريخي بين تطور الدولة في المجتمعات الأوروبية التي قادت التحولات الاجتماعية في القرون الخمسة الأخيرة ونجحت في تأسيس المجتمع السياسي القادر على حسم خلافاته، إلى حد كبير، سلميا من دون اللجوء إلى العنف، وبين مجتمعات لاتزال في طور التشكل السياسي وتلعب الدولة (النخبة) فيها دور المعرقل للتحولات الاجتماعية وتقمع السياسة والتعدد.

تساعد ملاحظة الاختلاف على فهم اختلاف النظرة إلى الآخر، فالدول القومية الأوروبية أنجزت تاريخيا مهمة توحيد الجماعة السياسية وفرضت حالات من التجانس الاجتماعي في تركيب المجتمع باستثناءات قليلة لاتزال موجودة في إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وبلجيكا وغيرها من دول غرب القارة الأوروبية، وهي استثناءات على رغم قلتها وضعفها تشكل في أحيان كثيرة عقبات تثير المشكلات السياسية.

إذا كان هذا هو حال معظم دول أوروبا الغربية فكيف هو حال أوروبا الشرقية (وتحديدا البلقان)، وكيف هو أمر الدول العربية التي لاتزال تعاني مشكلات الهوية والتنمية وتحديد شخصية المواطن؟

يفتح المأزق المذكور باب الحوار على معنى الديمقراطية ومساحتها السياسية وعمقها التاريخي - الاجتماعي.

حاول محمد فريد حجاب في «أزمة الديمقراطية الغربية وتحدياتها في العالم الثالث» أن يميز بين الديمقراطية المثالية التي تقوم على المساواة بين «المواطنين ومشاركتهم الحرة في صنع التشريعات التي تنظم الحياة العامة» وبين الفكرة الواقعية التي تقوم على التمييز «بين أولئك الذين يمثلون جمهرة لا حكم لها ولا تقدير (...) والذين يساهمون حقا، وهم قلة، برأي ذاتي موجه يتجاوبون مع المثل الأعلى للديمقراطية». (مجلة «المستقبل العربي»، العدد 164، 1992، ص 69 - 70).

ويفسر راشد الغنوشي في حوار أجري معه مسألة الاختلاف تلك بالقول: «الظواهر الاجتماعية، ظواهرُ معقدة، لذلك عندما نقول ديمقراطية نعطي انطباعا وكأن هناك نظاما محددا لا اختلاف حوله، على حين أن هناك ديمقراطيات، ليست هناك ديمقراطية واحدة». ويميز الغنوشي بين ديمقراطية وأخرى ويربط الفكرة الديمقراطية بمسألة الهوية، ويفصل بين الليبرالية بصفتها نظاما اقتصاديا والليبرالية بصفتها نظاما سياسيا، ويلاحظ أن الديمقراطية الأوروبية لا تعترف باختلاف قوانين الأحوال الشخصية وحق الجماعات الدينية والأقليات في التمثيل السياسي؛ لأنها تقوم على التمثيل الأكثري فقط. ويذهب إلى عقد مقارنة لافتة للنظر «نحن في تاريخنا رغم أنه ليس كل تاريخنا يمثل الفكرة الإسلامية، عرفنا للأقليات حقوقا لم تصل إليها حتى الديمقراطية المعاصرة، حتى الآن لم تعرف رغم وجود عشرة ملايين مسلم في أوروبا. لم نسمع حتى الآن بنائب واحد مسلم في برلمان، لم نسمع بسفير مسلم أو بوزير مسلم، بل في هذه الديمقراطيات تثار ضجة من أجل قطعة قماش تحملها مسلمة على رأسها». (حوارات مع راشد الغنوشي، قصي صالح درويش، طباعة خليل ميديا سرفس، لندن، 1992، ص 65 و68).

انطلاقا من الهوة المذكورة يحاول محمد فريد حجاب قراءة اختلاف الديمقراطية ومعضلاتها في العالم الثالث استنادا إلى تفاوت التطور السياسي وعدم انسجامه الاجتماعي - الديني، فيتحدث عن تخلف التصنيع وضعف التنظيم المهني والحزبي وانتشار الأمية والانقسامات الإقليمية والطائفية والعشائرية وعدم مشاركة المرأة في الحياة السياسية والعمل، إلى نهوض المؤسسات القانونية في دول العالم الثالث من أعلى، والتأثيرات السلبية للتجربة الاستعمارية. ويرى - وهذا هو الأهم - أن «تكوين الأمة في الغرب سبق بوجه عام تكوين الدولة. والأمر على خلاف ذلك في العالم الثالث حيث ظهرت الدولة قبل تشكيل الأمة». (مجلة «المستقبل العربي»، العدد 164، ص 80).

ويرد حجاب إخفاق الديمقراطية في العالم الثالث إلى التكوين غير الكامل للأمة؛ لأن مسألة الديمقراطية تفترض مفهوم «تأميم السلطة» وأن يقبل الحكام ذاك المفهوم، و «يقرّوا برقابة الشعب على سلطتهم». ويشير إلى التخلف وتزايد الهوة بين العالم الثالث والعالم الأوروبي - الأميركي وخطورتهما على الديمقراطية. فالعالم الثالث «مملوء بالتناقضات ويختلف تماما عن البلدان الديمقراطية في العالم الغربي»؛ لذلك لابد من تقديم المساعدات إليه وبذل الجهود للخروج به من التخلف بعدها تظهر الديمقراطية «تلقائيا إذا ما اكتملت مقوماتها الأولية (...) لأن الديمقراطية لا تفرض بقرار من السلطة، أو بمطالبة شعبية فورية». (العدد نفسه، ص 84).

يطرح الغنوشي فكرة مهمة في سياق مشروعه لحل المأزق وردم التفاوت بين الواقع الاجتماعي المتخلف والوعي السياسي لمشكلة السلطة وعلاقتها بهوية المجتمع وثقافته، فيذكر في حوار أجري معه في أغسطس/ آب 1989 «أن التنظيم الاجتماعي للحرية في شكل دولة يفترض وجود أرضية معينة يتحرك عليها العمل السياسي وتكون هي الإطار الجامع للجماعات السياسية طالما أن الجماعات السياسية ليست مجرد تراكم أفراد، وإنما هي جماعة سياسية، تشترك في هوية شخصية جامعة، وبالتالي الحرية السياسية تفترض، أو الديمقراطية تفترض مضمونا ثقافيا. فلا يمكن الحديث عن الديمقراطية في أي بلد إلا بالحديث عن هوية، عن المضمون الثقافي الذي يتحرك في إطاره الجهاز الديمقراطي». وفي رأيه أن الإكراه غير ممكن وبالتالي «فإن حرية المعتقد هي حكم وجودي (...) وخصم الإسلام الألد هو الاستبداد ومصادرة حرية التفكير وحرية التعبير». لذلك يربط الغنوشي الديمقراطية بالثقافة والهوية، ويجد أن الديمقراطية ليست نوعا واحدا، بل سلسلة أنواع تقوم على تعدد الثقافات والحضارات والقوميات والديانات، و «عندما نتحدث عن الحرية بالمعنى السياسي، تنظيم المجتمع، فإن تنظيم المجتمع يقتضي أرضية ثقافية، وفي المجتمعات الإسلامية تكون هذه الأرضية الثقافية هي الإسلام». (حوارات، ص 32 و33).

وفي السياق الذي ذهب الغنوشي إليه، يدفع المفكر المصري فهمي هويدي مسألة الديمقراطية إلى نهايتها عندما يؤكد أن الديمقراطية هي تطوير أوروبي لنظام النحل والملل الإسلامي، ويشير إلى تلك المفارقة في كتابه «الإسلام والديمقراطية»، إذ يرى «أن فكرة التعددية لم تعرفها أوروبا إلا من خلال احتكاكها بالدولة العثمانية، التي طبقت نظام الملل منطلقة من سعة الإسلام، فأفسحت لكل آخر مكانا ومكانة، حتى أمنت وحتمت كافة التمايزات الدينية التي حفلت بها البلدان الداخلة في نطاق الامبراطورية. قبل النموذج العثماني لم تكن فكرة شرعية الآخر واردة في التجربة الأوروبية، لكن الاحتكاك العثماني - الأوروبي كان كفيلا بانتقالها ضمن ما جرى تبادله من خبرات وأفكار بين الجانبين خلال القرون الخمسة التي هي عمر الامبراطورية العثمانية». (فهمي هويدي، الإسلام والديمقراطية، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1993، ص 71 - 72).

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1939 - الخميس 27 ديسمبر 2007م الموافق 17 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً