العدد 1939 - الخميس 27 ديسمبر 2007م الموافق 17 ذي الحجة 1428هـ

بناء قوة الاندفاع من أجل السلام

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

سيشكل الاتفاق على القضايا الأمنية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مع إعادة إحياء محادثات السلام في الشرق الأوسط في أعقاب اجتماع أنابوليس، خطوة حاسمة نحو بناء قوة اندفاع تفاوضية. وبالذات، يشكل تطوير وتوسيع القوات الأمنية الحكومية مصلحة وطنية حيوية للفلسطينيين والإسرائيليين والأميركيين على حد سواء.

يواجه الفلسطينيون تهديدا مزدوجا عندما يتعلق الأمر بأمنهم. فهم أولا: يواجهون التهديدات الأمنية المتأصلة في احتلال من قبل جيش أجنبي، والإساءة والمواجهات التي ينتج عنها وفيات بين كل من المتحاربين والمدنيين. ثانيا: يفتقر المجتمع الفلسطيني إلى خدمة أمنية منظمة تنظيما جيدا ومنضبطة، فقراه وبلداته تسيطر عليها الميليشيات السياسية والعصابات الإجرامية، إضافة إلى العنف المرحلي. وقد كانت مشكلات الميليشيات واضحة كل الوضوح في يونيو/ حزيران عندما قام مسلحو «حماس» بالسيطرة على غزة وطرد السلطة الفلسطينية و «فتح» من القطاع.

لا يستطيع الفلسطينيون تحمُّل وجود جيوش خاصة تستخدمها الأحزاب لتجميع قواها خارج الهياكل الدستورية وأن تقوم بإجراء سياساتها الخارجية المستقلة الخاصة بها. تقوم هذه الميليشيات، باسم «مقاومة الاحتلال» بهجماتها، بما فيها إطلاق صواريخ موجهة نحو البلدات الإسرائيلية، بشكل مصمم عن قصد لإفشال التقدم الدبلوماسي الفلسطيني على رغم أن المفاوضات هي الاحتمال الواقعي الوحيد لضمان نهاية للاحتلال وإيجاد دولة فلسطينية.

لذا فإن هاتين المشكلتين الآنيتين (الاحتلال من قبل الجيش الإسرائيلي من ناحية وعنف الميليشيات الذي يُفشل الجهود الدبلوماسية من ناحية أخرى) تتطلبان الحل نفسه: إنشاء دولة مستقلة وزيادة صلابة قوات الأمن الحكومية الفلسطينية كونها القوة العسكرية الوحيدة في فلسطين.

كانت قوات الأمن المرتبطة بالسلطة الفلسطينية مستهدفة بشكل متواصل من قبل «إسرائيل» خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي بدأت في سبتمبر/ أيلول 2000. قد تكون «إسرائيل» رأت وقتها تلك القوات على أنها تهديد، أو أنها سعت لتشجيع العداوات بين الأحزاب الفلسطينية ضمن استراتيجية فرّق تسد.

إلا أن «إسرائيل» اليوم، بوجود الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزرائه سلام فياض، تتعامل مع قيادة ملتزمة بالسلام وبفعل ما تستطيعه لمنع العنف. يجب تقوية قدرتها على العمل ضمن هذا الالتزام إلى درجة ألا تتمكن الميليشيات المتطرفة بعد ذلك من تخريب الاستراتيجية الفلسطينية الدبلوماسية.

وتم تخطّي عتبة رئيسية حديثا في نابلس التي كانت سابقا أكثر مدن الضفة الغربية فوضى، إذ وافقت «إسرائيل» على السماح لعباس وفياض بإرسال 300 شرطي وضابط إلى المدينة لفرض النظام هناك. إلا أن الاجتياحات الإسرائيلية المستمرة لنابلس بعد نشر قوات الشرطة أفشلت بشكل خطير محاولات السلطة الفلسطينية إرساء قواعد الشرعية وجهود حفظ الأمن في المدينة.

تبدو هذه المشكلة وقد تحسنت قليلا الآن. ويبدو أن الجهود التي بذلت في نابلس بدأت تثمر، حيث يستفيد الفلسطينيون العاديون من معظم الفوائد المباشرة، إذ لم يعودوا تحت رحمة المجرمين المسلحين. وكما أشار القنصل العام الأميركي في القدس جيك واليس في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني: «لقد نتج عن الأعمال التي قامت بها السلطة الفلسطينية أخيرا تحسينات مهمة في شوارع نابلس».

ويناقش البعض بأن تلك حالة تقوم بها السلطة الفلسطينية بحفظ الأمن لصالح الاحتلال الإسرائيلي. ولكن ذلك يتجاهل حاجة الفلسطينيين إلى كل من الحرية من الاحتلال والحرية من الجريمة والفوضى. يفهم معظم الفلسطينيين بشكل كامل أنه لا يمكن لمجتمعهم أن يزدهر في حالة من الفوضى وغياب الأمن.

يتوجب على «إسرائيل» أن تدرك أيضا أنها هي بحاجة إلى قوة أمنية فلسطينية نشطة لمنع العنف السياسي الهادف إلى تقويض أركان السلام، وأنه لا يمكن ضمان الأمن إلا من خلال اتفاقية تجري مراقبتها وبحكومة فلسطينية عاملة ممكَّنة. لذلك فإن تقوية قوة أمنية فلسطينية هي وضع يربح فيه الجميع.

يجب دعم وتعزيز التجربة الناجحة في نابلس وتوسيعها إلى القرى والبلدات الأخرى عبر الضفة الغربية، وغزة في نهاية المطاف. يمكن لنقطة انطلاق جيدة في غزة أن تكون نقل السيطرة على نقاط العبور الرئيسية، والموجودة الآن في أيدي «حماس» إلى الخدمات الأمنية التابعة ألى السلطة الفلسطينية. وهذا سيحدّّ من فرض التهريب، لأهداف إجرامية وسياسية متطرفة على حد سواء. كما أنه سيشكل الخطوة الأولى لكسر الجمود الذي أوجده الانفصال بين غزة والضفة الغربية.

للولايات المتحدة دور حاسم تلعبه في هذه العملية. يجب أن يتم تزويد الميجر جنرال كيث ديتون، الذي تم تعيينه للمساعدة على تطوير قوى أمنية فلسطينية منضبطة، بكل الموارد التي تحتاجها هذه المهمة. الجنرال جيم جونز - الذي عينته وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس مبعوثا جديدا خاصا للأمن في الشرق الأوسط - مسئول عن الالتزام الفلسطيني والإسرائيلي بكل شروط خريطة الطريق وبنودها. هذه خطوة رئيسية حاسمة نتجت عن «أنابوليس».

يعتبر القانون والنظام - الذي تعمل على تطبيقه قوة شرطية واحدة منضبطة ومدربة تدريبا جيدا - أمرا حيويا في بناء الدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال وتوفير الأمن والاستقلال للفلسطينيين. كما تعتمد الأمور التي يوفرها الأمن على الأرض بحسب خريطة الطريق على الأمر نفسه، وكذلك ازدهار الفلسطينيين العاديين وإعادة بناء مجتمعهم الذي عمل الاحتلال والعنف على تخريبه وتدميره.

ليس هناك شيء جوهري وأساسي أكثر من إيجاد الأوضاع المواتية لإقامة الدولة الفلسطينية وبناء مؤسساتها المركزية المهمة. وهذا يخدم بوضوح المصالح الوطنية لفلسطين و «إسرائيل» والولايات المتحدة.

إلا أن تحسين الأوضاع الأمنية للفلسطينيين والإسرائيليين لا يمكن فصله عن مكوّنين اثنين آخرين للتقدم. أولا: يجب أن يكون واضحا أن العملية الدبلوماسية تؤدي بشكل لا يلين إلى إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة قادرة على البقاء، وثانيا: يجب أن يرافق التقدم الأمني تحسينات في الأوضاع الحياتية اليومية للفلسطينيين، وخاصة التقدم الاقتصادي والفرص، وتخفيف القيود على حركة البضائع والأفراد.

بينما تواجه المحادثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين الاتهامات المضادة الاعتيادية والتحركات المزعجة على الأرض يتوجب على الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت أن يجدا الطرق والأساليب لإعادة بناء الأمن الفلسطيني المستدام والمؤسسات الاقتصادية. التهديدات الاستراتيجية لبقاء شعبيهما في دولتيهما المستقلتين حقيقية ولا يمكن جعلها تختفي من خلال مجرد الحديث عن تنازلات مؤلمة يتوجب عليهما أن يصنعاها.

* رئيس فريق «العمل من أجل فلسطين» ونائب رئيس الشراكة العامة الخاصة الفلسطينية الأميركية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1939 - الخميس 27 ديسمبر 2007م الموافق 17 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً