هكذا، تحوّلت الحكومة العراقية إلى مجموعة تكتلات العامل المشترك فيها الحزبان الكرديان الرئيسيان (الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال الطالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني).
فبعد أشهر من إعلان التكتل الرباعي بين الحزبين الكرديين والمجلس الإسلامي الأعلى بزعامة السيد عبدالعزيز الحكيم وحزب الدعوة جناح نوري المالكي تمّ الإعلان عن اتفاق «دوكان» بين الحزبين الكرديين والحزب الإسلامي العراقي بزعامة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي.
وبعكس الاتفاق الأول الذي يهدف إلى تمرير مجموعة قرارات تدعو واشنطن إلى إقرارها في مجلس النواب، فإنّ الاتفاق الأخير يمثل مسارات مختلفة، الواضح منها أنه يمثل رسالة أكثر من كونه اتفاقا مبدئيا قادرا على رسم السياسة العراقية المتقلبة.
لا يمكن أن نقرأ اتفاق دوكان دون النظر إلى المتغيرات السياسية الأخيرة على الصعيدين العراقي والدولي، فهو يمثل رسالة كردية إلى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من جهة ولواشنطن من جهة أخرى. الرسالة الأولى تقول إنّ الأكراد يمكن أن يقلبوا المعادلة الحكومية بتأسيس تكتل جديد قادر على تشكيل حكومة بديلة تستبعد على الأقل رئيس الوزراء من واجهتها، وخصوصا بعد فشل مباحثات بغداد - أربيل (عاصمة أقليم كردستان) بشأن تنفيذ الفقرة 140 من الدستور العراقي والخاصة بمدينة كركوك والأراضي «المتنازع عليها»، بالإضافة إلى انتصار بغداد لوزير النفط بخصوص الاتفاقات النفطية التي ابرمتها حكومة إقليم كردستان للتنقيب على النفط في شمال العراق مع عدد من الشركات العالمية.
أما الرسالة الثانية الموجهة إلى واشنطن فتقول إنّ الأكراد هم العامل المشترك بين المكونات العراقية، وإنهم يمثلون نقطة التقاء العرب من شيعة وسنة وهم وحدهم القادرون على توجيه العملية السياسية باتجاهاتها العراقية المختلفة.
إنّ الأكراد بخبرتهم السياسية والبرلمانية المتقدمة على بقية السياسيين العراقيين يعرفون جيدا أنّ مسألتي كركوك والاتفاقات النفطية لا يمكن أن تحسمها كتلة أو حتى مادة في الدستور العراقي، كما لا يمكن أن يحققها حزب أو كيان سياسي أو حتى حكومة مركزية، فمن كان في السابق قادرا على منح وعود سياسية، لا يمكن بالضرورة أن يلعب الآن الدور السابق نفسه... فالتكتلات تغيّرت ومواقف السياسيين تعقّدت مع خروج كيانات سياسية وظهور أخرى.
فاشتراطات اللعبة السياسية في عراق 2008 تتغير، وعلى أطراف هذه اللعبة أن يسارعوا لحجز مواقعهم وتكتلاتهم فيها..
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 1938 - الأربعاء 26 ديسمبر 2007م الموافق 16 ذي الحجة 1428هـ