العدد 1938 - الأربعاء 26 ديسمبر 2007م الموافق 16 ذي الحجة 1428هـ

العلاقات الأميركية - الإيرانية ودول الخليج العربي

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

لا شيطان أكبر على الساحة الدولية اليوم. وببساطة، ليس من واجباتنا الصحافية أن نغط في سبات عميق مع الجمهور، والسكوت عن استمرار التمويه وخداع الناس بشأن ما يسمى بالعداء المستحكم بين إيران وأميركا. فالأمر لا يعدو كونه سجال مصالح سياسية، يخضع لشعارات الاستهلاك الشعبي، وليست له علاقة بالقرار السياسي (الفوقي)، بل هي مطواعة له... أي في ضوء القرار السياسي يتم تحديد الشعار المناسب للاستخدام السياسي، وليس العكس. ففي عالم السياسة الإيرانية لا يبقى الشيطان الأكبر شيطانا إلى الأبد! وبالمثل، فإن بقاء محور الشر إلى أبد الآبدين شيء مستحيل على صعيد المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية.

الورقة العراقية في خدمة المصالح الإيرانية

المباحثات التي تجريها أميركا وإيران منذ مدة ليست بقصيرة، والتي مازالت مستمرة تعطي أكثر من مؤشر إلى صعيد العلاقات (العلنية المباشرة) بين واشنطن وطهران، وإلا فإن الغزل السياسي والمباحثات (السرية وغير المباشرة، التي تتم بواسطة الوسطاء) قد سبقت العلنية في المباحثات.

ولعل تاريخ التعاون (غير المباشر) بين طهران وواشنطن في أفغانستان والعراق قد أفصح عنه مستشار الرئيس الإيراني السابق (أبطحي) سابقا في حديثه الشهير... وعلى صعيد الملف النووي؛ فإن إيران استطاعت كبح جماح الولايات المتحدة الأميركية، ووقف قرع طبول الحرب، عن طريق ممارسة سياسة الضغط على اليد المتألمة لواشنطن في العراق، وإثبات أن إيران لها من القوة والنفوذ في العراق ما يجعلها تستطيع أن تسيطر بهما على هدوء الساحة العراقية برهة من الزمن. ليس على صعيد القوى الشيعية، بل حتى «قاعدة» إيران، إذ هناك أكثر من «قاعدة» في العراق! وفي هذا الاتجاه يشير السفير الإيراني في لندن إلى أنه «كان لبلاده دور كبير في تهيئة الأجواء والهدوء العام إبان الانتخابات العراقية»، التي تم إجراؤها تحت حراب (الشيطان الأكبر) المحتل الأميركي!

وعلى ذلك، بات واضحا أن قوة إيران في مواجهة اتجاه أميركا لا تكمن من خلال المواجهة المباشرة، بل من خلال الأذرع النافذة على عدة جبهات، منها الجبهة العراقية! وقد استفادت إيران من تدخلاتها في العراق، إلى الدرجة التي أجبرت واشنطن على إرخاء عنان خيول حربها على طهران. وبغض النظر عن العلاقات الإنسانية والأخلاق والعقائد الدينية/ المذهبية، فإن إيران نجحت في تدخلاتها واستخدامها لورقة العراق من أجل حلحلة ملفها السياسي (النووي) مع الولايات المتحدة الأميركية، إلى الحد الذي بدت فيه واشنطن أكثر لطفا سياسيا مع طهران من ذي قبل!

ولاشك أن الأيام حبلى بالمزيد من أخبار التحولات (العلنية والمباشرة) في مسار العلاقات بين طهران وواشنطن نحو كثير من التهدئة والتنسيق؛ بل والتعاون!

الأنظمة الستة في مهب الريح

بات واضحا أن دول الخليج العربي متوجسة ولديها قلق كبير من الالتقاء الأميركي/ الإيراني. ومصدر هذا التوجس والقلق هو الخوف من أن تتجاوز الحسبة الأميركية/ الإيرانية الأنظمة الستة القائمة والقفز إلى صياغة أنظمة بديلة! قد يبدو الكلام السابق فيه نوع من المبالغة، إلا أن من يطلع على السلوك السياسي الأميركي وعقيدة «ليس هناك عدو دائم» - كما قالت رايس حديثا - وبناء على المبدأ القائل: «في السياسة لا يوجد صديق دائم كما لا يوجد عدو دائم»، يجد أن الخطورة الماثلة هو ما يمكن أن يتم تطبيقه من دعوات تغيير ملامح الأنظمة السياسية الستة، وتفتيت دول المنطقة، وإعادة رسمها من جديد واقتسام المنطقة بين الأميركان والإيرانيين، وذلك من خلال تبني رؤى ووجهات نظر الكثير من الاستراتيجيين والمحللين الأميركان والإيرانيين. وهذا الأمر يناقش من قبل كثرة من مطابخ صنع القرار الأميركي، ويدعو له عدد لا بأس به من المفكرين والاستراتيجيين الإيرانيين.

النصيحة السياسية المخلصة

لا توجد نصيحة سياسية، إن صح التعبير، تقدم إلى الأنظمة الستة في الخليج العربي أغلى من نصيحة عالم الدين شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وهي: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة‏،‏ ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة... وإن الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم. ولذلك، فإن تلك النصيحة السياسية التي أسداها ابن تيمية في أكثر من موقع، هي من الحكمة بمكان أن تصلح إلى زماننا هذا في ظرفنا هذا.

في خضم هذه التحولات السياسية في مسار العلاقات بين واشنطن وطهران، والتي قد تكون جذرية، هناك سؤال يفرض نفسه على الأنظمة السياسية الستة في الخليج العربي، هو: هل تتغير صيغة العلاقات بين الحاكم والمحكوم، تمثل إنقاذا للأنظمة القائمة (ومصلحة الأسر الحاكمة)، أم الحل في أن تبقى الحال على ما هي عليه من دون مبادرة إصلاح دستوري ومؤسسي حقيقي - وليس صوري شكلاني - قائم (هذا الإصلاح) على الحرية والمساواة وقيم حقوق الإنسان والديمقراطية؟

إن لم يحدث ذلك؛ فلا غرابة في حدوث طوفان أميركي/ إيراني يأتي على الأخضر واليابس في منطقة الخليج العربي! حينها لن ينفع ندم الأنظمة الستة، ولن تقول الأسر الحاكمة في الخليج العربي «ليتنا نعود فنعمل صالحا»... لايزال هناك متسع من الوقت لعمل الكثير من قبل هذه الأنظمة، فمن وحدة خليجية تحمي كيانات هذه المنظومة، إلى حاكمية مبادئ حقوق الإنسان إلى تطبيقات المواطنة المتعارف عليها دوليا لتمتين الجبهات الداخلية لدول المنظومة... هذا ما يمكن أن ينقذ المنطقة في مواجهة الطوفان الإيراني/ الأميركي، أو أية هزات أخرى

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 1938 - الأربعاء 26 ديسمبر 2007م الموافق 16 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً