قبل أسبوعين، أطلقت الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان تقريرها الخامس عن «حقوق الإنسان في البحرين - 2006»، بحضور ممثل المكتب الإنمائي للأمم المتحدة السيد آغا. ونشرت الصحف ملخصا للتقرير، بعضها في نصف صفحة وبعضها في صفحة أو صفحتين.
الجمعية تعمل بمهنية وحيادية، ولها علاقاتٌ جيدةٌ بالجهات الرسمية، واستطاعت أن تنأى بنفسها عن تهمة «التسييس». ومع ذلك وضعت يدها على مكامن الخلل في حياتنا السياسية، التي نسكت عنها طويلا ثم نفاجأ بانفجارات الشارع، لنعود لتبادل الاتهامات، وكأننا نعيش فوق سطح القمر وليس في بلد محتقن بالمشكلات الحياتية والاقتصادية والسياسية، ليبدأ السفهاء والمراهقون بالمطالبة بقمع الشارع، بلغةٍ سوقيةٍ يترفّع عنها الساسة ورجال الدولة والحكم الرشيد.
الجمعية طالبت بتعديل الدستور بما يتيح مشاركة حقيقية للشعب في القرار، وانتخابات قائمة على تكافؤ الفرص والعدالة في توزيع الدوائر. وجدّدت المطالبة بإلغاء قانون (56) لتعارضه مع مبادئ حقوق الإنسان، وإنصاف ضحايا الحقبة السوداء «أمن الدولة»، وإنشاء هيئة وطنية للحقيقة والمصالحة.
التقرير نادى أيضا بإصدار قوانين تمنع وتجرّم التعذيب والتمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو المذهب، وتعزيز الحريات الشخصية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى إصدار قانون ينظم عمل الصحافة والنشر بما يضمن رفع سقف الحرية، وتعديل قانونَيْ الجمعيات والعمل بما يتوافق مع المبادئ والمواثيق الدولية.
الجمعية حقوقية مستقلة، ويحظى رموزها باحترام كبير وصدقية لدى الجمهور، ولا يمكن اتهامهم بمخالفة القانون أو التحامل على النظام. وعندما سألت الأمين العام للجمعية سبيكة النجار عن الاستعداد للمشاركة في «الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان» التي أعلنت عنها الحكومة، لم تبدِ معارضة وإنما اشترطت أن تكون «وفق مبادئ باريس وتتمتع باستقلالية حقيقية». بل ورحبت النجار بانتخاب البحرين في لجنة حقوق الانسان الدولية، «فالجمعية تساند أية خطوة إيجابية، وهذه الخطوة يمكن أن تعزّز من حقوق الإنسان بما ستفرضه على الحكومة من التزامات يجب الوفاء بها».
التقرير تناول أيضا مشكلة التجنيس التي مازالت «تثير اعتراضات ومخاوف من المجتمع والمنظمات السياسية والحقوقية»، بسبب طابعه الطائفي الهادف لتغيير التركيبة السكانية، مع عدم الشفافية بخصوص معايير منح الجنسية وفق قانون الجنسية.
الجانب الإيجابي الذي أورده التقرير، عدم وجود «تعذيب منهجي» كما كان يحدث في الثمانينيات والتسعينيات. ويبدو أن وضعنا الحقوقي في البحرين على درجةٍ كبيرةٍ من الهشاشة، وأننا على استعداد للتراجع في طرفة عين عن كل ما أنجزناه في مجال احترام حقوق الإنسان. ولو تأخّر صدور التقرير أسبوعين فقط، فمن المؤكد أن هناك تعديلات غير طفيفة ستجرى عليه في مجال «التعذيب».
اليوم لا يمكن إخفاء حالات الاعتداء على المواطن كالسابق، فحتى لو منع الصحافيون والمصورون وتهديدهم، كما حدث قبل يومين في النيابة فلقطةٌ بالموبايل في يد شاب صغير تكشف الحقيقة للعالم كله.
لسنا ندافع عن تجاوز القانون وانفلات الشارع، لكن آخر ما كنا نتمنى مشاهدته صور نقل النساء «المعنّفات» بالإسعاف إلى المستشفى، فكيف إذا كان التعنيف في النيابة العامة «بيت العدل»؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1938 - الأربعاء 26 ديسمبر 2007م الموافق 16 ذي الحجة 1428هـ