سوف تكون واحدة من أهم أولويات الرئيس المنتخب باراك أوباما إعادة التفكير «بالحرب على الإرهاب»، من الأسفل إلى الأعلى، وهذا يعني متابعة وعوده أثناء حملته الانتخابية بإغلاق المعتقل العسكري في خليج غوانتنامو، الأمر الذي سيشكل إنجازا رمزيا رئيسيا.
وتعكف إدارة أوباما، التي تنتظر تسلم مسئولياتها، على وضع الخطط لإحضار بضع عشرات من المعتقلين إلى الولايات المتحدة للمحاكمة، حسب تقارير الأسوشييتد برس، إلا أنه يتوجب عليها الإعداد لمواجهة معوقات كثيرة.
فالحكومة الأميركية الحالية حذرة حيال موضوع إغلاق غوانتنامو، فمن بين أكبر مصادر قلقها احتمال عودة المعتقلين إلى ساحة المعركة لدى إطلاق سراحهم. إلا أن البيانات المتوافرة تشير إلى عكس ذلك.
تستطيع إدارة الرئيس أوباما تعلُّم بعض الأمور من النموذج السعودي في إعادة تأهيل المعتقلين. منذ مايو/ أيار 2003، أعيد ترحيل نحو 117 مواطنا سعوديا من غونتنامو، ما خفّض العدد الإجمالي للسعوديين المعتقلين هناك إلى أقل من عشرين. حتى الآن، لم يعد أي من السعوديين المعتقلين سابقا إلى أرض المعركة.
بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية المحلية القاتلة العام 2003 بدأت الحكومة السعودية جهودا واسعة وطموحة لمواجهة الإرهاب. فبالإضافة إلى الأساليب الأمنية التقليدية وجهود تطبيق القوانين وقتل الإرهابيين أو اعتقالهم، أطلق السعوديون استراتيجية موازية لمحاربة التبرير العقائدي للتطرف العنفي داخل المملكة.
هذا التوجه «اللطيف»، الذي تمت صياغته قبل بضع سنوات من قبل قاضٍ يمني هو حمود الهيتار، مكون من ثلاثة عناصر: برامج وقاية لردع المواطنين العاديين من أن يصبحوا متطرفين عنفيين، وبرامج إعادة تأهيل مصممة لتشجيع المساندين والمتعاطفين على رفض العنف، وبرامج رعاية لاحقة لمنع العودة إلى التطرف وإعادة اشتمال هؤلاء الأشخاص في المجتمع. وقد بدأت برامج مماثلة في سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا والعراق، والأخير تم بمساعدة من قبل قوة خاصة من المارينز الأميركيين.
أحد عناصر نجاح البرنامج السعودي الرئيسية الدعم الاجتماعي الواسع الذي يقدَّم للمعتقل وعائلته، والذي يهدف إلى تعديل الصعوبات ومنع المزيد من التطرف. ويلعب الإقناع والترغيب بل وحتى الضغط دورا بينما تستخدم السلطات السعودية عوامل ثقافية تقليدية مثل الشرف والمراتب الأسرية والالتزامات الاجتماعية القوية لمنع الانتكاس والعودة إلى التطرف.
ومن مصادر القلق الكبرى الأخرى حول إغلاق معتقل غوانتنامو هو العدد الكبير من المعتقلين اليمنيين الموجودين هناك. حسب آخر الأرقام، هناك 101 يمني معتقل في غوانتنامو حاليا، مما يجعلهم أكبر مجموعة من المعتقلين من دولة واحدة.
اليمن واحدة من أفقر الدول في العالم، لذا فإن توفير برامج اجتماعية مناسبة لإعادة تأهيل المعتقلين المفرج عنهم سوف يكون أمرا صعبا. إلا أن حكومة اليمن ملتزمة بإعادة ترحيل رعاياها. تستطيع حكومة الولايات المتحدة وغيرها المساعدة في تخفيف الكلفة المتعلقة بهذه العملية، وهو خيار أكثر جاذبية بكثير من الاعتقال طويل الأمد.
وقد تم إجراء الكثير من البحوث حول كيف يصبح الأفراد متطرفين، ولكن هناك فهم أقل بكثير عن كيف يمكن التحول والعودة عن هذا السلوك. والملفت للنظر هو أن ذلك يحصل فعلا وإلى درجات مثيرة للإعجاب.
وقد توصلت نتائج بحوثي الشخصية وتلك التي قمت بها مع المؤلفين المشاركين معي في كتاب «ترك الإرهاب» إلى أن المشاركة في العنف ليست مظهرا دائما في حياة المتشددين المسلّحين.
بالطبع، هناك بعض المتشددين الذين لا يمكن إعادة تأهيلهم، وكما كتب لورنس رايت في مقال ظهر مؤخرا في «النيويوركر»، هناك قدر معين تستطيع أن تأمل بتحقيقه، وتحويل الأفراد واحدا واحدا.
يشكل بعض المعتقلين بالتأكيد خطرا كبيرا على الولايات المتحدة ولا يمكن بالتالي إعادتهم إلى بلادهم أبدا. ومن هؤلاء معتقلان اثنان على الأقل «ذوا قيمة كبيرة»، بمن فيهما المتآمران المفترضان في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، رمزي ابن الشيبه ووليد بن عطاش.
وبالطبع، هناك تلك الحالة التي حصلت في شهر مايو الماضي عندما قام عبدالله صالح العجمي، الذي تمت إعادته إلى الكويت العام 2005 بعد ثلاث سنوات في غوانتنامو بعد تبرئته من تهم إرهابية في محكمة كويتية، بقتل سبعة أشخاص في تفجير انتحاري استهدف قوات أمن عراقية في الموصل.
يجب محاكمة هؤلاء الأفراد كمجرمي حرب، أو، وهو الأفضل، كمجرمين عاديين، وليس في محاكم سرية أو عسكرية.
يعود الأمر لأوباما لأن يقرر ما الذي سيحدث لهم. إلا أن الشفافية والحق في محاكمة قانونية والشرعية هي بعض أقوى الأسلحة في الكفاح ضد التطرف العنفي. يجب إحضار هؤلاء المجرمين إلى العدالة بسبب أعمالهم. وهذا لا يمكن أن يحدث طالما أنهم مخبأون في غوانتنامو.إلا أن هؤلاء الرجال أقلية داخل أقلية، وسيتوجب على إدارة أوباما أن تثبت أن التطرف الذي يخرج من العالم الإسلامي لا يمكن دحره من خلال إجراءات أمنية تقليدية فقط.
* زميل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2281 - الأربعاء 03 ديسمبر 2008م الموافق 04 ذي الحجة 1429هـ