لا علاقة بين أداء «الوفاق» في المجلس النيابي وما حصل من أعمال عنف في الفترة الأخيرة، فما حصل عبارة عن ردة فعل على إزهاق روح الشاب علي جاسم مكي، وبغض النظر عما حصل، فالدافع معنوي وليس ماديا. وردة الفعل على شاكلة حرق الإطارات وحتى المواجهات مع قوى الأمن، يمكن أن تحدث حتى في الدول المتقدمة الديمقراطية، وطالما حدث ذلك في بريطانيا وفرنسا وأميركا، غير أن تحويل ردة الفعل إلى حالة مستدامة من المواجهات، ومع مرور الأيام تصبح ظاهرة، الأمر الذي أعلنت أطراف المعارضة الرئيسية عن رفضه تماما. وأخطر ما في الأمر، انجرار صغار السن في مواجهات ليلية مع قوى الأمن، فقد يقود ذلك في نهاية المطاف لتطور الأوضاع إلى حيث الفوضى الأمنية.
ولكن تجنب الفوضى الأمنية، لا يقتصر على رغبة المعارضة، وخصوصا في ظل هذا التباعد بينها وبين الحكومة وأزمة الثقة القائمة بين الطرفين. وموقف الحكومة على المستوى السياسي والتعاطي الأمني هو أكبر سبب يزيد من تعقيد الأوضاع. النهج الخاطئ في موقف قوات الأمن واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار، فهم لا يقدمون لحماية الأهالي، بل ليمطروا المناطق السكنية المكتظة بوابل كثيف من الغازات الخانقة في مواجهة مجموعات صغيرة جدا قد لا تتجاوز عشرة أشخاص، تقوم بحرق الإطارات والقمامة، وأفلام الفيديو التي تبرهن على ذلك، منتشرة في مواقع الإنترنت.
لا أحد يمكنه أن ينكر هذا السلوك الخاطئ، فـ «ليس في كل مرة تسلم الجرة»، ومقتل الشاب علي جاسم أحد دلائل هذا التوجس.
ثم هل من يطير غترتك من على رأسك، تقتلع رأسه من فوق رقبته؟ هل الخروج في مسيرة غير مرخصة يستدعي العنف المفرط والاستخدام الكثيف لمسيلات الدموع والذي قد يؤدي في النتيجة إلى كارثة، بدعوى تطبيق قانون التجمعات؟
الكل يتمنى تحقيق المطالب العادلة عن طريق التعاطي السياسي، وعلى الحكومة ان تزيل الصورة بأنها تتلكأ وتسعى الى ليِّ أذرع المطالب العادلة. ومن يحرص على صالح الوطن، عليه رفض إشعال الساحة بالفوضى الأمنية، مع رفع صوته أيضا في وجه تصرفات الجهات الرسمية. ان تجنب حدوث حريق لا يتطلب فقط المحافظة على أعواد الكبريت ومصادر الشرر بعيدة عن موقع الوقود، ولكن المشكلة أيضا في وجود الوقود ذاته. وكما في تعبير أحدهم، بدلا من الاستمرار في طرد الذباب عن نقطة العسل، قم بتغطية هذه النقطة، ومن دون ذلك قد تسقط ذبابة عليها في مرة من المرات. ان تجاهل القضايا التي تشغل الرأي العام وكذلك الاستخفاف بالقنوات المتاحة، مثل المجلس النيابي بشهادة أعضاء من كل الكتل النيابية بلا استثناء، عبارة عن وقود يحتاج فقط إلى شرارة حتى يشتعل ويحرق ما تحته ومن حوله.
وحتى المسيرات السلمية التي يُطلب الترخيص لها، يتم التضييق عليها، سواء في المكان المخصص أو حتى يُطلب تأجيلها بلا ضوابط تقنع المنظمين، بل حتى الاعتصامات المرخصة والمحددة المكان، ربما قام الضابط الموجود بالتصرف بحسب هواه، ومن الشواهد ما جرى حديثا مع رئيس اتحاد عمال البحرين أثناء اعتصام العمال أمام مجلس الوزراء (كما نقل أحد النقابيين)، بل تم الاعتداء على مثل هذه الاعتصامات.
مع كل ذلك، فإن أساليب التسعينات التي أُرغم شباب على تعاطيها، لم تعد خيارا مقبولا في الوضع الحالي، وما حدث عبارة عن ردة فعل غاضبة جراء ما تقوم به جهات رسمية. وقياس وضعنا على حالة التسعينات - إلى حد الآن - قياس مع الفارق، ومن ينكر ذلك لابد أنه كان بعيدا عن تلك الأجواء التي يتم فيها الاعتقال العشوائي مع البقاء في السجون لمدد طويلة بلا محاكمة، والتعذيب، وانعدام القدرة على التعبير عن معارضة الحكومة في الصحف ومختلف وسائل الإعلام
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1937 - الثلثاء 25 ديسمبر 2007م الموافق 15 ذي الحجة 1428هـ