هل يمكن اعتبار الشباب الذين خرجوا الى الشوارع في الاسبوع الماضي للتعبير عن آرائهم ومعتقداتهم فوضويين ومخربين وخارجين على القانون؟ وهل هم فعلا يتلقون تعليماتهم وتوجيهاتهم لزعزعة الأمن والاستقرار ونشر الفوضى والتخريب في البلاد من خلال أطراف خارجية، وقوى محلية حاقدة تريد تغيير وجه البحرين الديمقراطي الحضاري؟
أعتقد أن هؤلاء الشباب لهم الحق في التعبير السلمي عن رأيهم بحسب قوانين حريات الرأي والتعبير والضمير، التي كرستها نصوص ميثاق العمل الوطني والدستور وكل المواثيق الدولية المعنية بحقوق الانسان ومنحتهم حرية التظاهر السلمي من اجل المطالبة بحقوقهم. كما أعتقد بأنهم ليسوا ألعوبة تحركها اطراف خارجية، أو قوى محلية حاقدة تريد زعزعة الأمن والاستقرار والسلم الأهلي لأغراض داخلية أو مصالح اقليمية ودولية، تدفعهم عنوة للخروج الى الشارع... أعتقد أنهم شباب محبطون لأن السلطة تجاهلت تنفيذ الكثير من الوعود على أرض الواقع بعد أن وعدت بتنفيذها.
ربما إنهم شباب يئسوا من كل الوعود والتطمينات والشعارات الرنانة التي يطلقها الكثير من المسئولين في البلاد، وهناك شريحة كبرى منهم تبحث عن التعبير السلمي من أجل الضغط لقبول مطالبهم المطروحة، وهم في ذلك الحال ليسوا مسئولين بغالبيتهم المطلقة عن مخالفات بعض الأفراد في صفوفهم.
ربما ان هؤلاء الشباب هم إفرازات سنوات عجاف، واجهوا الكثير من الصعوبات والمآسي والأزمات التي أثقلت كاهل المجتمع برمته في حقبة الدولة الأمنية، التي احتكرت كل وسائل السلطة واستخدمت القهر والقوة بذريعة الحفاظ على أمن واستقرار البلاد. انهم أيضا جيل فترة مابعد 2001 التي بشرت الناس بالعيش أجمل الأيام وبالخير والعطاء والرفاهية. لكنهم ربما فوجئوا بأنهم لم يحصلوا سوى على «قشر الموز» الذي بسببه انزلقت الأوضاع، واقتنعوا أن السلطة تخلت عن كثير من التزاماتها تجاه الوعود التي قطعتها على نفسها أمام المجتمع والمنظمات الدولية.
هؤلاء الشباب هم في حقيقة الأمر شرائح مجتمعية واسعة يمثلون أطيافا سياسية واجتماعية متعددة في المجتمع البحريني. انهم شباب لم يخلقوا من فراغ، بل كانوا ومازالوا يحلمون بعهد ازدهار وتقدم ينقذهم من الفاقة ويوفر حياة كريمة لهم ولأحفادهم، ولم يتوقعوا استمرار المعاناة والمكابدة لتوفير لقمة العيش في بلد خليجي نفطي متميز في مجالات عدة.
إنهم جيل الألفية الثالثة الذي يحلم باختفاء الدكتاتوريات في العالم من شرقه الى غربه، ومن شماله الى جنوبه، وان تحل محلها الأنظمة الديمقراطية - الدستورية، وتترعرع في ظلها مبادئ التسامح والمساواة والعدل والمثل. انه جيل هذا الزمن الذي يود ان يلحق بعصره ويتوقع توفير السبل اليه من قبل الدولة، وهو جيل سمع عن تجارب الماضي المؤلمة والدامية، وانخلق لديه وعي في الأقوال والأفعال، وهو يبحث عن طريق يضمن له مستقبل واعد.
ربما ان مطالبهم بسيطة جدا تتمثل في العيش الكريم على الارض التي ارضعتهم، ولكنهم فوجئوا بأن السلطة لا تعير أهمية لهم، أو انها بطيئة جدا في الاستجابة، ولم تكن مستعدة لدراسة ومراجعة الاسباب والمسببات التي دعت هؤلاء الشباب للخروج بالشكل الذي خرجوا فيه. ان هذا ليس تبريرا لأي أعمال منفلتة، وانما دعوة لفهم الأمور بحثا عن حلول بعيدة المدى لمشكلة لا يمكن معالجتها بالقبضة الأمنية.
انها دعوة للسلطة لبذل ولو جهد بسيط في التفتيش عن الاسباب الحقيقية والجوهرية لقيام مثل هذه المسيرات، وهي ستتعرف على معاناة الناس وضيق عيشهم، وهي بذلك ستعرف الأسباب التي دفعت نحو حوادث لا نريدها للبحرين
إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"العدد 1937 - الثلثاء 25 ديسمبر 2007م الموافق 15 ذي الحجة 1428هـ