«أب أو أخ أو زوج يقتل ابنته لأنه (شك) في سلوكها»، عنوان وإن اختلفت كلماته إلا أنه يصب في مجرى واحد يحيلنا إلى قضايا الثأر للشرف التي مازالت منتشرة في بعض البلدان العربية، ولا يثير الاستغراب أبدا إن طالعتنا الصحف يوما ما بالعنوان نفسه ولكن في وطننا البحرين، ولم لا فـ «الغيرة» طبع في العربي أيا كانت جنسيته، والمساس بشرف بنت من بناته ولو بخدش حيائها يعتبر جرما يستحق الآتي به الإعدام والتعذيب.
أن تأتي البيوت من دون إذن صاحبها وتتعدى على حرمة البيت وحريمه، هو فعل فاحش أيضا يثير حفيظة أي إنسان (وليس العربي أو المسلم فقط) لأن يأتي بفعل مضاد ينفس به عن استنكاره لذلك الاعتداء... ذلك عرف لا نحتاج فيه إلى كثير كلام لنبيِّنه ونؤكده، إذا ما بال رجال «الأمن» عندنا يأتون بما يأتون ثم يستنكرون ازدياد فتيل الحرب ضدهم؟!
لم نسمع بأن ما أتت به فئة سميت بـ «المخربة» في الحوادث التي شهدتها بعض المناطق أخيرا تعدى حرق إطارات وحاويات قمامة ومطالب تتداولها الألسن وتنقش حروفها كل يوم إن لم يكن على الجدران فعلى الصحف، وتقام لأجلها الاعتصامات والمسيرات، وتناقش على مستوى البرلمان، وتوعد الحكومة مرارا وتكرارا بتنفيذها أو على الأقل بالنظر فيها، حتى ملّ الناس الانتظار ففجروا مشاعرهم بحرائق لا يمكن أن ترقى أبدا إلى مستوى «حرقة قلوبهم» على ضياع سني عمرهم في حساب حقوق ما كانوا ليحصلوا عليها!
وعلى ذلك نحن لا ندعو إلى «التخريب» - كما يسمى - واتخاذه الوسيلة الأوحد في تحقيق المطالب، ولكننا لا نعتقد أبدا بـ «العدالة» التي تقابل حرق «أشياء مادية» وإن كانت مكلفة (وهي أساسا وفرت للمواطن) بزهق أرواح واختناق أطفال وإرهابهم، والضرب الذي لا يفرق بين شيخ كبير وامرأة لها حرمتها وشاب مسالم جالس في بيته، وبين من أتى بـ «التخريب» فعلا!
ماذا تتوقع «الداخلية» من مواطن انتهكت حرمة منزله (المسالم) ودفع بامرأته على الأرض ووجهت إليها الركلات من رجال «الأمن»، ووجه السلاح إلى وجه ابنته، ورقد ابنه في العناية المركزة لاستنشاقه «الفلفل المطحون»؟! ألا تتوقع أن تأخذ الغيرة بصاحبها مأخذها ليفكر بل وينطلق للانتقام والأخذ بالثأر؟!
تقول قوات الامن إنها تسعى إلى «أمن» البلد وتهدئة الأوضاع... إذا لماذا «تشعلها» أكثر بتصرفات تعيدنا إلى حقبة سوداء قد لا يكون لـ «الوعود المعهودة» مفعول هذه المرة في «تبييضها»، ولماذا توسِّع دائرة الحرب لتشمل أطرافا ما حركها ضدهم إلا أفعال قوات الأمن؟!
«الملثمون» فئات مختلفة (فقيرة معدومة) متفرقة في مناطق عدة (وإن كانت معروفة)، ورجال «الأمن» جهة واحدة معلومة ومكلفة (أساسا) بحفظ البلد وتوفير الأمن لمواطنيها، ولذلك نحن ننتظر منها حمل زمام المبادرة بالتهدئة التي عمادها الأول طاولة حوار مفتوحة بشفافية مع الطرف المضاد، ومحاسبة رجالها الذين حوّلوا بتصرفاتهم القضية من مطالبة بحق (وإن كانت الوسيلة غير مشروعة وفق قوانين البلد أو غير مرخصة منها) إلى ثأر وانتقام
إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"العدد 1936 - الإثنين 24 ديسمبر 2007م الموافق 14 ذي الحجة 1428هـ