منذ فترة ليست بالقصيرة والأسعار في ازدياد حتى طالت كل شيء وأرهقت معظم المواطنين بحيث أصبح الكثيرون عاجزين عن مجاراتها وعن التعامل معها، ولو كان للفقر مؤشر مثل الأسهم لرأيناه أحمر يحرق كل شيء.
ومنذ عامين تقريبا خضع الكثير من مواطني الخليج لعملية غسيل جيوب من خلال مؤشر الأسهم، إذ تكالبت عليهم مجموعة من «الهوامير» فالتهموهم في غفلة من الرقابة، وأعادوهم - ماليا - كيوم ولدتهم أمهاتهم أو أسوأ من ذلك بكثير ولاسيما من فقد كل ماله بالإضافة إلى الديون التي اغتالته وحولته إلى كومة من المآسي لا يستطيع الخروج منها إلا أن يشاء الله.
في هذه الظروف السيئة كثر الحديث عن أهمية زيادة الرواتب، كما كثر الحديث أيضا عن تحسين الأسعار ودعم السلع الأساسية التي يحتاجها كل مواطن، وبدأت المقارنات بين دخل الفرد في دول الخليج مقارنة بين دولة وأخرى ولاسيما أن الغلاء طال جميع هذه الدول، بينما لم تتكافأ زيادات الرواتب بينها، كما بدأ الحديث أيضا عن تأثير زيادة الرواتب على الأسعار والتضخم المصاحب لها في ظل غياب شبه كامل للجهات المعنية عن مراقبة الأسعار، والقول إن هذه الزيادة ستذهب إلى جيوب التجار ولن تتحقق الفائدة المرجوة منها للمواطن.
كما بدأ الحديث أيضا عن الفرق بين دعم الدولة للأسعار وزيادة رواتب الموظفين وأيهما أفضل للمواطن! وبطبيعة الحال كان لكل فريق رأيه في هذه المسألة التي لم تحسم بعد بين الفريقين.
في هذه الظروف أطلق أمير الرياحين سلمان بن عبدالعزيز تصريحا لبعض وسائل الاعلام اقترح فيه طريقة عملية للحد من التلاعب في الأسعار، كما يهدف أيضا إلى تمكين المواطن من معرفة ومتابعة أسعار السلع الأساسية التي تتولى بيعها محلات متنوعة ليحدد المواطن المكان الذي يذهب إليه مباشرة لأن السلعة التي يريدها موجودة فيه وبالسعر الذي يقبله.
هذا الاقتراح - إن طبق - فسيجعل هناك منافسة بين المحلات الكبرى بحيث يدفعها ذلك لتقديم أسعار مناسبة للمشترين وهذا هو الهدف المقصود.
الذي أود قوله، إن وضع المواطن المادي في السعودية يحتاج إلى تدخل سريع من الدولة لتحسينه وجعل حياة المواطن معقولة ومقبولة، وهذا «التحسن» قد يكون بزيادة الرواتب أو بخفض الأسعار وكذلك الضرائب التي تؤخذ من المواطن وقد تكون بكليهما معا في صورة متوازنة تحقق المصلحة المستهدفة.
من واجب الجهات الرقابية في السعودية أن تتدخل بجد في الحد من أسعار المواد الأساسية ومن حقها كذلك أن تحدد نسبة ربح معينة للتاجر وتطالبه بالالتزام بالأسعار المحددة وإلا تعرض لعقوبة قوية.
وهذه الرقابة وذلك التسعير يكفي أن يكون للسلع الأساسية التي يحتاجها كل مواطن، ولا أعتقد أن هذا العمل يحتاج إلى جهد كبير وإنما يحتاج إلى إرادة صادقة. وهنا أشير إلى تجربة دولة الكويت في عمل الجمعيات التعاونية المنتشرة في كل المناطق الكبرى، وهذه الجمعيات يساهم فيها أهل المنطقة ولهم أرباحها السنوية وبطبيعة الحال فكون هذه الجمعيات لأهل المناطق فإن أرباحها التي ستؤخذ منهم ستكون قليلة وهذا هو هدفها.
تجربة الكويت أثبتت نجاحها وجدير بهذه التجربة أن تطبق في البحرين والسعودية وغيرهما من دول الخليج، لنقل معاناة المواطن من غلاء الأسعار.
إن المواطن في البحرين يعاني مثل غيره من ارتفاع الأسعار على رغم الزيادة التي أعلنت عنها الحكومة، فهذه الزيادة لا تتماشى مع الزيادة الكبيرة في كل شيء بما فيه أجرة المساكن وسواها، وواقع الحال يتطلب إعادة النظر في طريقة تحسين دخل المواطن ليتمكن من العيش بصورة معقولة.
لعل اقتراح اعطاء راتب رمزي - تحت أي مسمى - للزوجة والأولاد، وهذا الإجراء تفعله بعض الدول الخليجية وسواها، والهدف منه مساعدة الأسر ذات الأعداد الكبيرة بحكم أن مصاريفها أكثر من مصاريف الأسرة ذات العدد القليل، يحقق التوازن والعدالة بين مكونات المجتمع كله سواء أكانوا موظفين أو غير موظفين في الدولة.
أعتقد أن دولنا لو حققت ما ذكرته آنفا لما كانت هناك أهمية كبرى لزيادة الرواتب لأن أوضاع المواطنين جميعا ستتحسن تلقائيا ولن يكون هناك تضخم، ولا أظن أن تحقيق ذلك سيكون صعبا على دولنا إذا فكرت بمصالح مواطنيها بجد.
خلاصة الأمر أن المواطن - كان ولايزال - متطلعا إلى تحسين وضعه المادي في الظروف الصعبة التي يمر بها، وهو يعتقد أن بلاده قادرة على تحقيق تطلعاته ولاسيما أنها تمر بظروف مادية ممتازة... هل يتحقق ذلك قريبا؟
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1936 - الإثنين 24 ديسمبر 2007م الموافق 14 ذي الحجة 1428هـ