هل كان ما حدث من صدامات عنيفة ومؤسفة مفاجئا للمتابعين؟ إذا أردتم الصراحة: لا... على الإطلاق. فهو لم يكن جديدا ولا غريبا ولا مفاجئا على الإطلاق، للأسف الشديد.
في نهاية شهر رمضان المبارك، وعلى مائدة إفطار جمعتني بنحو عشرين شابا تتراوح أعمارهم بين الخامسة والعشرين والأربعين، من المهمومين بالشأن السياسي، وغالبيتهم من مؤيدي تيار «الوفاق»، من مناطق مختلفة (سترة والسنابس وسار والديه والبلاد القديم) كانت غالبية الحديث نقدا مريرا لأداء «الوفاق» الضعيف، وتورّطها بعدد من القرارات الفاقدة للشعبية، من استقطاع الـ 1 في المئة إلى تبشير أحد نوابها بقبول خيار الشقق، والاعترافات الصريحة بأن ما أنجزته «صفر».
«الوفاق» مذ دخلت البرلمان بذلك الزخم الإعلامي الكبير، أصيبت بحالة من الاعتداد الشديد بالنفس، إن لم يكن الغرور. وهكذا عاشت ثمانية أشهر على مجدٍ قديم، وربما لهذا السبب صدمها رد الفعل العنيف على تصويتها على مشروع الاستقطاع، حينها فقط بدأت تتنبه إلى أن هناك «انقلابا» في موقف الجمهور.
في الجانب الآخر، كانت الحكومة تغنّي وترقص و «تقرطع أصابعها» كلما خرجت «الوفاق» من مشكلة ووقعت في أخرى، وكانت تحسب كل مشكلة وفاقيةٍ انتصارا لها. وكان بإمكانك أن تشمَّ رائحة التربص والشماتة، من دون وعي بأن للشماتة ثمنا أيضا.
المشاركة الكبيرة للشارع الوفاقي في انتخابات 2006 تعبيرٌ عن الرغبة الصادقة في تحقيق الآمال بأسهل وأسلس وأسلم الطرق. ولأن شارع «الوفاق» بطبيعته شارعٌ ناقدٌ ومعارضٌ ومثخنٌ أيضا بالجروح، لم يكن من السهل أن يتقبل المشاركة بعد أربع سنوات من المقاطعة إلاّ بعد تدخل الرموز الدينية. وكان الأمل يحدوهم بحدوث تغيير ملموس في حياتهم، إلا أنكم تعرفون بقية القصة، فالسنة الأولى من المشاركة أضيعت عبثا، فما إن تبادر «الوفاق» لطرح ملف مهم حتى تستنفر الموالاة للتكتل ضده. بل إن ملفا استراتيجيا كالتجنيس الذي سينهك البحرين ويضر بمستقبل كل البحرينيين من دون استثناء، جرت طأفنته، بسبب حسابات طائفية ضيقة لا ترى أبعد من شسع نعلها. وهكذا أغلقت أبواب الأمل في حلحلة أيّ من الملفات الحساسة الأخرى. حتى إنصاف ضحايا الحقبة السوداء وهم بالآلاف، لم تفلح مساعي جمعيات المجتمع المدني إلى إنجاز شيء فيه، بل تم تحريك بعض العابثين من أجل خلط الأوراق وزيادة تعقيد الأمور.
الحكومة من حقّها أن تفرح عندما تحاصر «الوفاق» في الزاوية الضيقة وتدفعها إلى التذمر والاستسلام. فالحكومة التي كسرت مجاديف الشيخ عادل المعاودة في البرلمان السابق باعترافه، لا يُنتظر منها أن تفرش السجاد الأحمر للشيخ علي سلمان، لكنها تنسى أن شارع المعاودة لن يرد عليه كلمة أو يقيّم أداءه، على عكس الشيخ علي سلمان. كما أن المعاودة إذا غاب عن البرلمان فهناك ألف معاودة يحل مكانه، أمّا علي سلمان الوسطي المعتدل الذي تجري على لسانه مفردات اللعب السياسي، فليس وراءه إلاّ الطوفان والضياع.
علي سلمان - للأمانة - حاول أن يتدارك الوضع قبل أشهر حين لوَّح بالانسحاب، وهي رسائل أساء الكثيرون فهمها، حتى الحكومة نفسها، فبعثت بمشروع تقاعد النواب!
كما أن للشماتة ثمنا، يبدو أن لسوء فهم الرسائل ثمنا غاليا أيضا
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1936 - الإثنين 24 ديسمبر 2007م الموافق 14 ذي الحجة 1428هـ