خلال فترة وجيزة جدا، أثبت المدونون العرب، قدرتهم على التأثير في الحياة السياسية، في بعض بلدان العالم العربي، وخصوصا التي بدأت تخطو أنظمتها السياسية، بسرعاتٍ متباينة نحو الإصلاح والتطوير وترسيخ قيم الحرية والديمقراطية.
واستطاع الناشطون السياسيون أن يفرضوا مدوناتهم بوصفها مصدرا مكملا للصحافة التقليدية، يقدمون من خلاله معلومات ووجهات نظر غالبا ما تغيب عن وسائل الإعلام التقليدية.
وعلى رغم هذا النجاح الواضح في لفت أنظار الساسة ووسائل الإعلام، وقدرة بعض المدونات على اجتذاب أعداد كبيرة جدا من الزوار، والتعليقات، إلا أن المدونات عموما مازالت تبدو كجزر منعزلة عن بعضها بعضا، وهو ما يخفض من نسبة الاستفادة من هذه الظاهرة الفريدة.
كل هذا، كان مثيرا للتأمّل والتفكير. لقد استطاع مدونون كل منهم بمفرده أن يلفتوا الأنظار وأن يؤثروا في من حولهم، استطاعوا أن يحركوا المياه الراكدة لعقود. إذا نحن أمام ثرواتٍ من الطاقة والنشاط والفكر والإبداع متناثرة في تلك الجزر. وحتى الآن، كانت هذه نتائج فردية، ماذا لو تواصل كلّ هؤلاء وتبادلوا الأفكار والخبرات؟ لابد أن النتائج ستكون عظيمة جدا.
هذه الإجابة التي اعتقدت في صحتها، شجّعتني على إنشاء أول شبكة إلكترونية من نوعها في منطقة الشرق الأوسط، للربط بين هذه الكنوز الكامنة في جزرها المتفرقة (المدونات). الشبكة علي موقع www.kbret.net. أطلقت عليها «شبكة كبرت» (Kbret Network).
ووضعت أمام عيني عدة أمور أساسية خلال تصميم وإنشاء الشبكة الالكترونية، منها: أن المدونين تمكّنوا من الإبداع والنجاح وهم مستقلون، إذا يجب أن يبقوا مستقلين. وقد كانت الحرية عاملا رئيسيا في تفوق تجربتهم وتميزها، لذلك يجب أن يكون بثّ المواد حرا من دون أيّ قيود أو رقابة مسبقة، وتتم مناقشتها بشكل ديمقراطي، يسمح بالاختلاف في وجهات النظر. هناك أناس يتابعون ولا يدونون، يقرأون ولا يكتبون، ويرغبون في التفاعل أو التعليق، إذا يجب أن تتاح لهم الفرصة في المشاركة كأعضاء.
وحتى يسهّل الموقع التعارف بين أعضائه، بشكل جذاب وحيوي، وفّر أدوات متعددة للمراسلة وتبادل الهدايا الالكترونية، والتعليق، ونشر روابط (links) تشير إلى آخر ما نشروه في مدوناتهم، وما لفت أنظارهم من أخبار ومقاطع فيديو ومواقعهم المفضلة بالإضافة إلى ألبوم للصور خاص بكل عضو.
كان لديّ اعتقاد بأن اختيار مقاطع الفيديو والأخبار والمواقع المفضلة وألبوم الصور بالإضافة إلى موضوعات من مدونة من قِبل العضو سيعكس شخصيته، ومن ثم سيسهّل انجذاب الأعضاء ذوي الشخصيات المنسجمة والاهتمامات المشتركة إلى بعضهم بعضا. هذا بالإضافة إلى كونها مصادر مفيدة للأعضاء ولزوار الموقع عموما.
وفي هذه المرحلة الأولية التي تعد بثا تجريبيا، يشجع الموقع أعضاءه على التعارف والتواصل فيما بينهم. وسيتم قريبا تطوير تطبيقات جديدة لطرح الأسئلة والقضايا المختلفة للنقاش العام بين الأعضاء.
وجود نخبة من المدونين ذوي الاهتمامات والتوجهات الفكرية والتخصصات المهنية المتباينة، لا بد أنه سيساعد في إيجاد حلول واقتراحات للكثير من القضايا المعقّدة في بلداننا العربية، وفي منطقة الشرق الأوسط، وربما في العالم أجمع، وقد يسهم أيضا في تطوير تصور فاعل للعلاقة بين العالم الإسلامي والغرب. وستبرز تلك الحلول والاقتراحات وتتطور عبر النقاشات والتعليقات التي تدور في مجتمعهم الجديد.
لكنّ هناك أمرا حاسما جدا يؤثر على نجاح هذه التجربة الوليدة، وهو: كيف سينظر القادة السياسيون في بلداننا لها؟ هل سينظرون إليها على أنها تحدٍ يجب مواجهته؟ أم سيقفون على الحياد؟ أم سيعتبرونها فرصة جيدة يجب استثمارها؟
لكي نحصل على الإجابة الأرجح، من المهم أن نتصوّر حالتين (بعد تجنب حالة الحياد السلبي)، ونحدد أيهما أكثر فائدة ونفعا للمواطنين وللنظام الحاكم في دولة ما. الحالة الأولى تصوّر هذا النشاط على أنه تحدٍ، والنتيجة التابعة هي مراقبة النظام للمشاركين في هذا المجتمع الإلكتروني والتركيز على اصطياد المعارضين لسياسة النظام، أو تضييق الخناق عليهم وتهديدهم. وتبعات هذه الحالة عايشناها جميعا، فقد وُلد الإرهاب من رحم الكبت والظلم وغياب الوعي والمشاركة السياسية.
الحالة الثانية نظام اعتقد بأن وجود هذا التواصل والتطور لنشاط المدونين فرصة ايجابية فيه، فبدأ يوظف متخصصين لمتابعة نشاطهم بهدف استخلاص حلول واقتراحات للقضايا التي تقع في إطار اهتمامه، يمد بها صناع القرار، ويرصد قضايا الفساد التي يثيرها المدونون لتنقية مجتمعه من الفاسدين، ويرد على الشائعات التي تتردد فيقتلها في مهدها. ويا حبذا لو استطاع أن يشجع الشركات والمؤسسات المختلفة على التنقيب في هذه الكنوز الكامنة لاستقطاب المدونين الموهوبين في مجال عملها. أعتقد أن نتيجة الخيار الثاني ستكون أكثر إشراقا وبعثا للأمل في منطقتنا وفي العالم أيضا.
* باحث وصحافي مصري، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1936 - الإثنين 24 ديسمبر 2007م الموافق 14 ذي الحجة 1428هـ