العدد 1934 - السبت 22 ديسمبر 2007م الموافق 12 ذي الحجة 1428هـ

أعداء أميركا... أصدقاء

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

اتفقت الكتل النيابية اللبنانية على تأجيل انتخاب رئيس للجمهورية للمرة العاشرة على التوالي. وبانتظار الموعد الجديد الذي حدد يوم السبت الموافق 29 ديسمبر/ كانون الأول الجاري يكون التمديد تم لنظرية «الفراغ الهادئ» الأميركية وسط مخاوف من انجرار بلاد الأرز إلى فوضى عامة تقوض الاستقرار.

إلى أي مدى يستطيع هذا البلد الصغير المسكين أن يستمر في «الفوضى المنظمة» في وقت تشهد المنطقة تحولات في قواعد اللعبة ومتغيرات قد تدخل على التحالفات الإقليمية والأولويات؟

المؤشرات ليست جيدة في اعتبار أن احتمالات التبدل في المواقع الدولية والإقليمية والجوارية قد تكون في جانب منها على حساب لبنان وسيادته. وهذا الأمر بدأت قوى «14 آذار» تدركه وأخذت تعيد النظر في بعض الدوائر الأيديولوجية التي كانت أسيرة لها منذ العام 2004. فهذه القوى تلمست متأخرة وجود خدعة أميركية تريد توريطها في تجاذبات أهلية تشكل بداية مرحلة يذهب فيها لبنان ضحية استقطابات إقليمية أخذت تظهر معالمها الغامضة على الشاشة الدولية.

انتباه قوى «14 آذار» المتأخر يعتبر إشارة تدل على نمو مخاوف عن وجود صفقة ترتبها الولايات المتحدة من وراء الكواليس. وربما لهذا السبب سارعت تلك القوى إلى النأي بنفسها عن تصريحات جورج بوش بشأن الانتخابات الرئاسية. فهذه القوى لم تقبض بسرعة تلك الكلمات العنيفة التي أطلقها الرئيس الأميركي ضد سورية. كذلك كما يبدو لم تخدعها معاني «نفاد الصبر» وتتورط في أحلام زائفة وتذهب بعيدا في تقديم تفسيرات وتأويلات لمقاصد بوش في سياسة العودة إلى الاتهامات.

قوى «14 آذار» قرأت للمرة الأولى التصريحات الأميركية بأنها قد تكون حفلة تنكر تستهدف توريطها في خيارات منفعلة تشكل ذريعة لتفجير «الفراغ الهادئ». ولهذا السبب يمكن القول إن هذه القوى تنبهت متأخرة لمخاطر الانزلاق في أوهام أكبر منها ومن قدرات لبنان الصغير. فهي قرأت «نفاد صبر» بوش بأنه قد يكون خطوة تريد دفعها نحو المغامرة في أخذ قرار لا وظيفة له سوى حشرها في زاوية تضاعف من عزلتها الدولية والجوارية.

إصرار قوى «14 آذار» على رفض الذهاب إلى خيار رئيس «النصف زائد واحد» وتمسكها بتعديل الدستور بنصاب الثلثين وانتخاب قائد الجيش يشكلان أوضح إشارة إلى وجود نوع من الانتباه إلى احتمال عقد صفقة دولية/ إقليمية كبيرة في فترة «التفاوض السياسي» الجارية الآن على مختلف المستويات.

مرحلة «التفاوض السياسي» تعتبر الأخطر في كل المقاييس لأن القوى التي تبيع وتشتري مضطرة لوضع الأوراق على الطاولة وكشفها وفحصها واختبارها قبل الإقدام على الخطوات الأخيرة. وعملية البيع والشراء تخضع بدورها للتقييم والتقدير والوزن حتى يتم تسعير السلعة بالقيمة المناسبة قبل طرحها للتداول في السوق.

«التفاوض» تجارة. وهذا الأمر يعرفه اللبنانيون جيدا واختبروه مرارا في العقود الثلاثة الأخيرة. واكتشاف قوى «14 آذار» المتأخر أن واشنطن ليست بالضرورة معها دائما وأنها ليست مستعدة للتضحية بمصالحها من أجل لبنان بل هي جاهزة دائما للتضحية بلبنان من أجل مصالحها أعطى إشارة واضحة إلى وجود مخاوف حقيقية أخذت ترفع الغشاوة الأيديولوجية عن المشهد السياسي المحتمل. فالاحتمال المذكور ليس مستبعدا وخصوصا أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ذكرت قبل يومين أن الباب مفتوح لزيارة إيران وكوريا الشمالية وقالت أيضا «إن الولايات المتحدة ليس لها أعداء دائمون».

كلام رايس واضح في إشاراته السياسية وهو جاء مباشرة بعد تصريح بوش عن «نفاد صبره». والكلام بين الرئيس والوزيرة ليس متعارضا في الجوهر لأنه في النهاية يخاطب الأطراف المعنية بلغة «العصا والجزرة» أو الاختيار بين «عقوبات» موقوفة و»حوافز» موعودة. والكلام الأميركي المتعارض يمكن إعادة أنتاجه سياسيا خدمة للمصالح. والمصالح هي الثابت الوحيد في العلاقات الدولية.

مصالح أميركا

أميركا تنظر إلى المنطقة من موقع المصلحة ومن يضمن لها أمن النفط وأمن «إسرائيل» ويتكفل بحماية وجودها العسكري في دائرة استراتيجية تشكل نقطة قطع أو وصل بين أوراسيا (أوروبا وآسيا) يكون هو الطرف القابل للتفاوض معه. ولبنان في هذا المعنى الكبير يمكن التفاوض بشأنه أو التضحية به في إطار توازن المصالح وتبادل المواقع. وما حصل في العام 1976 يمكن تكراره مع تعديلات تأخذ في الاعتبار المتغيرات الدولية والإقليمية التي طرأت على المنطقة خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

أميركا الآن تمر في فترة «التفاوض السياسي» وتريد قدر الإمكان الحد من الخسائر حتى لو اقتضى الأمر التعاون مع القوى التي تتهمها بأنها تقف وراء فشلها في العراق. وهذا بالضبط ما أرادت رايس إرساله من خلال قولها «الولايات المتحدة ليس لها أعداء دائمون». وأن الانتخابات الرئاسية ليست مشكلة بين سورية والولايات المتحدة وإنما هي مشكلة «بين اللبنانيين». وحين تكون مشكلة الرئاسة «بين اللبنانيين» يمكن تركها عرضة للتجاذبات في إطار «الفراغ الهادئ» حتى تتوصل الأطراف إلى تسوية عامة في سياق حوارات تتطلبها فترة «التفاوض السياسي».

أعداء أميركا أصدقاء. وأصدقاء أميركا أعداء. والمسألة اللبنانية ورقة محلية قابلة للتفاوض الإقليمي. هذا على الأقل ما يمكن فهمه من كلام رايس الدبلوماسي وتصريح بوش المتشنج الذي استهدف توريط «14 آذار» في خطوة غير محسوبة.

يبقى السؤال: إلى أي مدى يستطيع البلد الصغير الصمود تحت ضغط التجاذبات والاستقطابات في فترة التفاوض السياسي؟ فالتفاوض لا يعني أن الصفقة انتهت وإنما يعني أنها في طريق الانتهاء. والاتفاق يحتاج إلى وقت وخصوصا إذا كان التداول يتناول كل الملفات الساخنة.

الرئيس بوش في تصريحه الغاضب ربط ملفات ثلاثة في رزمة واحدة. وهذا الأمر يتطلب حوارات شاقة وشائكة لأن أميركا تريد حسم موقع ثلاث مقاومات دفعة واحدة (العراق، فلسطين، ولبنان) وبالتالي فقد يشهد «الفراغ الرئاسي» فترة انتظار طويلة تتجاوز يوم السبت (29 ديسمبر الجاري) وربما تمتد وتتمدد إلى أن ترتسم معالم الصورة وتخرج إلى الشاشة في تفصيلاتها وتعقيداتها وألوانها.

أميركا على رغم إخفاقاتها لاتزال اللاعب الأول في منطقة «الشرق الأوسط». ولكونها تتمتع بهذا الموقع الخاص تستطيع إدارة قواعد اللعبة كما تشاء وتدوير الزوايا كما تريد وتربيع الحلقات بالاتجاه الذي يخدم مصالحها ما دامت الأطراف الإقليمية تملك مثل هذه القناعة. الرئيس السوري بشار الأسد مثلا قارب وجهة النظر هذه حين صرح في 19 ديسمبر الجاري إلى صحيفة «داي برس» النمسوية بالقول «الآن هناك حاجة إلى حكم. الولايات المتحدة قبل كل شيء، وطبعا بدعم من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة... لكن من دون الولايات المتحدة لن ينجح شيء».

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1934 - السبت 22 ديسمبر 2007م الموافق 12 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً