لا يمكن للعقلاء في هذا البلد أن يتركوا وتيرة الأحداث تتصاعد من دون أن تبذل المساعي الحثيثة لاحتوائها، ولا يمكن أيضا، أن تعطى مكنة المواجهات الفرصة التي ينتظرها البعض لشقّ وحدة أبناء هذا الوطن وتمزيق اللحمة الواحدة. إن استمرار هذا الانفلات الأمني والانزياح نحو الفوضى هو بالتأكيد ما سيجعلنا كل يوم أمام تحدٍ أكبر قد لا نستطيع السيطرة عليه إذا ما أستمر من دون أن يكون للعقلاء يد تدفع عن البلاد هذه الفوضى وتداعياتها.
الأسباب التي أدت إلى هذه الفوضى تختلف من عين لأخرى، ثمّة من يلقي بالكرة في ملعب الدولة إذ تبالغ أجهزة الأمن في استخدام القوة، وثمّة من يلقيها على هؤلاء الشباب الذين فقدوا ثقتهم بأي شيء وفقدت بوصلتهم اتجاهها الصحيح.
الدولة هي الدولة، التي لا بد أن تكون هيبتها مصانة من قبل الجميع، وأن يكون لقانونها الالتزام والاحترام. وهؤلاء الشباب هم أيضا، أبناء هذه الدولة وإخواننا الذين لا يجوز لنا أن نتجاوز غربتهم في وطنهم ومطالبهم. وما بين هذين الطرفين اللذين تفصل بينهما مسيلات الدموع والحجارة والعنف فاصل من الأمل في أن يتم احتواء هذا الانفلات، كنا نتمنى أن يكون المجلس النيابي هو ذلك الوسيط إلا أننا ندرك أن تدخل المجلس قد يصبّ النار على الزيت أكثر وأكثر.
الذي نأمله اليوم، هو أن يبادر كل من يستطيع المبادرة في لملمة هذا الجرح من الشارع وتحريك المساعي الحميدة في احتواء هذا الانفلات، وقادة شارع المعارضة مطالبون بتحمل مسئولياتهم كاملة وتحكيم العقل بالتوازي مع مطالبتنا لأجهزة الأمن بالتروي وعدم التسرّع والمبالغة في ردة الفعل وانتهاج سياسة العقوبات الجماعية التي أثبتت فشلها.
إن استمرار انتهاج سياسة التصعيد في الشارع من هؤلاء الشباب دون معنى، والتصعيد من قبل أجهزة الأمن في ردة الفعل والمبالغة في استخدام القوة هو تفريط بما تحقق وبما يمكن أن يتحقق للبحرين والبحرينيين من انفتاح وتطور في العملية السياسية، وهو ما سيكون خطيرا على التجربة الإصلاحية التي نريد جميعا الإسهام فيها وتطويرها.
الذي يمكن أن يكون مخرجا من هذا الانفلات، هو العودة إلى العملية السياسية السلمية، ولا يعني ذلك التنازل عن أي من المطالب الشرعية في تطبيق حاكمية القانون والتوزيع العادل للثروة وإنهاء سياسات التمييز وصولا إلى مقررات الحكم الرشيد. ليس “العنف” هو الطريق الصحيح لتحقيق هذه المطالب المشروعة، وحده العقل والعمل السياسي الدؤوب من يستطيع أن يفعل ذلك وفق معادلة إقليمية لا ترحم
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1933 - الجمعة 21 ديسمبر 2007م الموافق 11 ذي الحجة 1428هـ