العدد 1933 - الجمعة 21 ديسمبر 2007م الموافق 11 ذي الحجة 1428هـ

شماغ «جيفنشي» وجلوة نبوية: موعدكم مع المناجاة البرلمانية!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

الرمز الوطني البحريني وعضو المجلس الوطني السابق جاسم مراد كتب في إحدى الصحف المحلية مقالا بعنوان «اخشوشنوا.. إنّ النعم لا تدوم» وقد أورد خلاله عددا من النقاط والملاحظات الجديرة بالملاحظة والاهتمام ليس فقط لكونها أتت بقلم وشهادة جاسم مراد عضو المجلس الوطني السابق الذي لربما تعرف جيدا الأجيال التي عاصرت التجربة البرلمانية الأولى قبل الحل والوأد عظيم مكانته وسمو وعيه الوطني ورقي سلوكه وأدائه النيابي أاختلفت مع مراد في ذلك أم اتفقت معه، وإنما أيضا أبرز أهميته لاجتهاد مراد المخلص والمعهود في قول كلمة الحق وتبيان انصراف وانشغال الغالبية العظمى من نواب الشعب إلى تصدير واستيراد المطالبات العامّة ذات اللون والنبرة الفاقعة وتهيئتها عبر «كيلوات» و»درازن» و»أرتال» من التصريحات والبيانات الصحافية والمقابلات المقولبة سابقا للاستهلاك الإعلامي والشعبي الذي أثبتت التجارب أنه لا يُسمن ولا يُغني من جوع، وذلك عوضا من الاشتغال الحقيقي على التشريع وتأدية المهام المسموحة والمناط تحقيقها عبر سلطات وصلاحيات السلطة التشريعية، وقد كتب مراد حول ذلك» نحن لم ننتخبهم ليطالبوا، إنما ليشرعوا ويراقبوا لسد حاجات من أوصلهم إلى سدة المجلس، بموجب المواد الدستورية التي تخوّلهم أنْ يشرعوا مايحتاج إليه شعب مملكة البحرين ويراقبوا المال العام المخوّل لهم بموجب الدستور للمصلحة العامّة».

ولعلّ ما يلفت النظر ويعكس بحيادية وصدق مستوى الوعي النيابي المتدني لأغلبية النواب أكانوا من كتل الموالاة أو من كتلة المعارضة لهو فرط استخدامهم للمفردات السيّالة شعبويا مثل «ناشد» و»طالب» و»دعا» و»شدد» و»أكد» و»رأى» وربما على وزن ومعنى «ناجى» و»لهج» و»ابتهل» و»تبتل» حد الابتذال والبهت، وذلك عوضا عن الاقتصارالعاقل والمسئول واقعيا على «شرع» و»راقب» فقط، فإنْ كان يحلو لناقد أدبي على سبيل المثال أن يقدّم نقوده صوب أداء معظم النواب والكتل لاستقر على أعتاب أنهم لا يقيمون فرقا نوعيا بين «السّرد» أو «التقرير الخارجي» من جهة و»المونولوج الداخلي» من جهة أخرى، هذا إنْ لم يكونوا بعد قد بلغوا أشدهم ليفرقوا بين أنواع السرد والتقرير والخطابة كافة و»الحكي» والإجراء النيابي!

وربما ينقل بعض الإخوة الأعزاء تأويل تلك الاختلالات والتخبطات النيابية والإفراط في الضخ الإعلامي الكمي للتصريحات والبيانات والابتهالات والمقترحات إلى أولي الأمر عبر مسارب ومشارب الصحافة إلى انعدام ثقة النواب ممن اكتملت لديهم كافة شروط الأهلية في أوزان كراسيهم التشريعية من ناحية السلطة والصلاحية الحقيقية، وذلك على أمل أن تعوض أطنان تلك العروض «SHOWS» الدعائية المنوعة والتحركات الرملية والغثائية الاستهلاكية هذا الحجم المتواضع للسلطات والصلاحيات دستوريا ولائحيا، أوأن تسد النقص الفادح وتصلح العطب الموضوعي في الثقة الشعبية والمجتمعية تجاه هذه التجربة البرلمانية المستجدة، بالإضافة إلى استغلال النفوذ وتقديم الخدمات المتداخلة كافة في كثير من الأحيان مع أدوار العضو البلدي، وفي أسوأ الأحوال الانصراف إلى إرسال وابل من التهاني والمواساة وتعلم فنون «السنع»؛ لينالوا بذلك حظوة ووجاهة اجتماعية بديلة، وآخرين بحكم كونهم، وللأسف الشديد، من ضحايا الاتجار بالبشر، فإنما هم رأوا الميدان البرلماني مضمارا للاستعراض والتهريج بغرض الإثارة والإلهاء والتضليل على حساب الوطن والمواطنين وملفاتهم وقضاياهم عسى أنْ ينالوا بذلك كثيرا من الرضا والتقدير وربما الإعتاق من أسيادهم، ولكن مع كل ذلك الاستذباح والنفاذ بالجلد والقشرة التشريعية يبقى عبثا ولطخا ما يفعلون ويبتدعون، وربما ذو نتائج تدميرية هائلة على معنويات المواطنين!

وأضف إلى ذلك مظاهر التسابق والتسارع من قبل بعض النواب والكتل نحو تشكيل جنوني للكثير من «لجان التحقيق البرلمانية»، وهو أمر سهل، لكل شاردة وواردة وكل كبيرة وصغيرة من دون التركيز والانتباه إلى أنّ الأهم والأصعب هو إكمال المسيرة بنجاح وفاعلية دونما انحراف وعرقلة، ومن دون أنْ تصبح تلك اللجان وكالات للدعاية ولوبيات للمساومة الفئوية والطائفية!

فلعمري لربما مثلت تلك التأويلات القاسية في إحكامها الرقابي على أداء الكثير من النواب جدوى أكبر وإقناعا منطقيا من الاستمرار في التشدق والتذرع بمعضلة نقص الخبرة وحداثة التجربة، ففي هذا البرلمان العديد من نواب الموالاة «المعتقين» بحكم المشاركة إلا أنْ يكونوا قد عانوا من أزمة وعي وضمير مسئول ووضعية وانحشار سياسي فذلك شأن آخر!

وإن كان شائعا في عرف بعض النواب الإسلامويين الإصرار دوما على رفض النصيحة النقدية البناءة والواعية مهما خشنت، وانشغالهم بالنية وما تحتها وتأويلها مزاجيا بدلا من سد الذرائع والتعرف على مضمون النصيحة، ولو أتت ممن يرونهم منافسيهم وخصومهم و»أعدائهم الحاقدين»، فإننا لا نرجو أن نكون «مبالغين» و»مفترين» إذا ما رأينا بأنه لو علم الشعب وقياداته ونخبه حقيقة ما ستؤول إليه أوضاع النسخة الثانية من التجربة البرلمانية من فنون عرض وطلب واستجداء والتماس ومناجاة لكان من الرشد لو أصر الشعب على استبدال نوابه وممثليه المونولوجست بعدد لا بأس به من أحدث موديلات وأرقى ماركات «الستيريو» العالمية، عسى أنْ يتم استخدامها في البرلمان لعرض أقراص مدمجة (CD) تحتوي تسجيلا لمختلف مطالب ورؤى الشعب المعيشية والسياسية تقدمها أكثر الأصوات المتفق عليها حسنا وجمالا وتأثيرا في الوجدان بحسب المزاج والذائقة الشعبي، أكانت بالاعتماد على أصوات مطربين ومغنين أم حتى تلاوات مرتلي القرآن من المشايخ البارزين مثل: مشاري العفاسي وسعود الشريم وعبدالرحمن السديس وأيوب والحذيفي والحصري وغيرهم، أو أناشيد كبار المنشدين كأبوالفداء والكندري وجاسم هجرس، ومعهم الرواديد المحترمين مثل حسين الأكرف وباسم الكربلائي وعلوي أبوغايب وغيرهم من أبناء الأمة الواحدة!

لعمري تلك الوسيلة المضطرة في الشراء والتسجيل والتلاوة والإنشاد والغناء أكثر فائدة وإجادة وجدوى فاعلية وبركة من المناجاة البرلمانية العقيمة، وهي كذلك هي أكثر ادخارا وتوفيرا اقتصاديا لمال وثروة الشعب طالما انحصر العمل البرلماني في المطالبة والمناجاة والابتهال، فهذا أحسن بكثير من قصر الاعتماد على الكثير من نواب المناجاة والمونولوج والمحاكاة والفولكلور الذين تفوق أكلاف انتخابهم الباهظة أرباحهم المتواضعة إلى ما دون الصفر البرلماني!

أضف إلى ذلك أن هذه الوسيلة المختصرة «الإستيريو+السي دي» لا تكلف كثيرا وتحقق نوعا من الاحتياطي الوقائي لحدوث مزيد من الاختلالات والشروخ الطبقية الحادة في المجتمع، وهي تبقى على رغم كل ذلك عصية على الابتزاز والتهديد والرشوة وتكون عادة مرفقة بضمان (guaranty)! كما أنه من الممكن الاعتماد على خدمات ما تبقى من «كتبة شعبيين» في صياغة البيانات والعرائض والرسائل لإيصال مطالب الشعب، أو حتى الاتكال على أرقى شركات الخدمات العالمية في مجال الإعلام والعلاقات العامّة فخدماتها ستكون أرخص وأجود بكثير من خدمات نائب «مونولوجست» لا تجدي نفعا، وهي حتما أرخص من خدمات أبواق صحافة السوق السوداء!

ولربما فات أستاذنا ووالدنا جاسم مراد أنْ يشيرأيضاَ باستخدامه المقولة المأثورة إسلاميا « اخشوشنوا... إنّ النعم لا تدوم» إلى ظاهرة انشغال واشتغال نواب الفولكلور البرلماني بتحسين مظاهرهم وامتيازاتهم حد الإفراط والجنون دون النهوض بالأداء والكفاءة النوعية وحتى التفاني في البدعة الخدماتية، وذلك إلى درجة أنك لو رأيت أحدهم مارا أو عابرا بالصدفة لقلت أنه يبدو وكأنما ينوي هذا النائب «الكشخة» أنْ ينافس الكعبة الشريفة في هيبتها وجلالها وما تحظى به من عناية فخمة وراقية، والعياذ بالله!

أو ربما ستبتسم أمام نائب آخر ذو توجه إسلاموي ومنصب قيادي يرتدي أفخم البشوت العربية إلاّ أنه يجهل فن وكيفية ارتداء البشت فــ «الزين والحلو عمره ما يكمل»، إذ يرتدي أخونا النائب بشته كما ترتدي المرأة عباءتها التقليدية «الدفة» بكامل الستر والاحتشام، لكأنما يخفي فتنة برلمانية لا تضاهى!

ولربما نرحم ونعذر نواب المناجاة ونواب الابتهال ونواب المطالبة الإعلامية والإعلانية ونواب الفولكلور جميعا من أصحاب التوجهات الصادقة، ونقول بأن الظروف الموضوعية والمعادن ومستويات الوعي قد تغيرت كثيرا بالمقارنة مع اللحظات الذهبية المنصرمة من تلك التجربة البرلمانية السبعينية التي عاشها مراد، فالسلطات والصلاحيات البرلمانية المتواضعة حاليا لا تليق إلا بمن يتقن إدخال البعير من خرم الإبرة، كما أن النظام الانتخابي وتوزيعات الدوائر الانتخابية غير العادلة والمنصفة حاليا للأسف كانت ولا تزال أكبر ورم سرطاني مندلع في نخاع وفقرات العمل البرلماني بجميع مستوياته وأقسامه حاضرا ومستقبلا!

فما الذي سيفعله النواب لإنقاذ البرلمان وإنقاذ أدوارهم وسمعتهم وشرفهم النيابي؟!

هل سيتوافقون على تعديلات دستورية مثلا؟!

هل سيستقيلون ويكسبون التحدي ضدنا وهذا جل ما نتمناه؟!

إنّ التفاعل الإيجابي مع تلك الأسئلة المصيرية سيكون أفضل بكثير لمصلحتهم من أن يواجهوا ذات يوم أحد المواطنين متحسرا على حال بعضهم وهو يقول»راحت رجال ترفع الدروازة وجاتنا رجال المطنزة والعازة»

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1933 - الجمعة 21 ديسمبر 2007م الموافق 11 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً