العدد 2280 - الثلثاء 02 ديسمبر 2008م الموافق 03 ذي الحجة 1429هـ

من الشمالية إلى البلاد القديم

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أخيرا... وبعد طول الحديث عن ضياع المدينة الشمالية، أعلن مجلس الوزراء عن البحث عن التكاليف الأولية لإنشاء المدينة، وتكليف لجنة المرافق العامة بدراسة البدائل والخيارات المتاحة لتمويل المشروع.

المدينة كانت حلما كبيرا يراود سكّان هذه المحافظة المكتظة بالسكان، والمحصورة اختناقا بين الشريط الساحلي على امتداد الضلع الشمالي لجزيرة البحرين وبين شارع البديع. ولذلك فإن تحويل المدينة من مشروعٍ إسكاني يخدم الشعب إلى مشروع استثماري يخدم البعض، خلّف خيبة أمل شديدة، انعكست في تحركات احتجاج عفوية شارك فيها المواطنون في قرى الساحل الشمالي، توّجها المجلس البلدي المنتخب في مهرجانه عن «ضياع الحلم».

الإسكان من أكبر قضايا التي تشغل المواطن البحريني في مختلف المحافظات دون استثناء، وستكون إحدى مصادر الحراك السياسي في المستقبل القريب، كما كانت البطالة في الماضي القريب، خصوصا مع موجة الغلاء والقفزة الجنونية في أسعار العقار، حتى بات المواطن متوسط الدخل عاجزا حتى عن امتلاك قطعة أرض.

ما جرى في الشمالية من سيناريو، أعيد إنتاجه في البلاد القديم بصورةٍ مصغّرة، فهذه المنطقة أشبه بالقربة القديمة، فمداخلها محصورة بين منطقتي الزنج شرقا وعذاري غربا، وتتمدد كالمستطيل بين شارعي الشيخ سلمان شمالا والشيخ خليفة بن سلمان جنوبا. ولكونها فيما مضى أرضا زراعية خصبة وغنية بالكواكب والعيون الطبيعية، فإنها احتفظت بجزءٍ من حقولها وبساتينها رغم زحف التصحّر ونضوب العيون مع نهاية السبعينيات. هذه الخاصية دفعت إلى اعتبار هذه الأراضي حزاما أخضر يُمنع فيه العمران.

«الحزام الأخضر» فكرةٌ رائعةٌ بلاشك، ولو طُبّقت منذ البداية، دون استثناء أحد أو منطقة... لكان الوضع الزراعي والبيئي والصحي في البحرين أفضل بكثير مما نحن عليه. لكن ما حدث من استباحة البيئة في البر والبحر قصةٌ يعرف تفاصيلها الجميع.

الحزام الأخضر بالبلاد القديم لم يبق كما كان. جزء من الحدائق والبساتين الخاصة بقيت خضراء لما حظيت به من رعاية، إلا أن جزءا كبيرا من الحزام تعرّض للإهمال والتدمير، فتحوّل إلى أرضٍ بور. وكان من ضمن المطالب التي حملها أهالي المنطقة إلى جلالة ملك البلاد قبل سنوات، أن يخصص هذا الجزء للإسكان، إلى جانب إنشاء سوقٍ شعبيةٍ وجامعٍ، مع تخصيص أرضٍ استثماريةٍ للصندوق الخيري الذي يخدم 25 ألفا على أقل تقدير، لشموله مناطق البلاد القديم والزنج وعذاري والصالحية، فضلا عن الخميس وأبو خفير والزنج الجديدة.

كانت رسالة الملك واضحة ومطمئنة للوفد، الذي عاد لينقل للأهالي البشارة التالية: «ما كان للدولة وللديوان فهو للأهالي»، وهكذا كان الحلم بحلحلة موضوع الإسكان في منطقة ذات كثافة كبيرة، تعاني من الاختناق في هذه المستطيل الضيّق.

ما حصل لاحقا إعادة إنتاج لسيناريو «الشمالية»، إذ صحا الجميع على حقيقة أن الأراضي التي اقترحوها حلا للمشكلة، قد تحوّلت إلى أملاك خاصة وسُجّلت بأسماء بعض الشركات. وبالتالي على الدولة أن تقوم بـ «إعادة استملاكها» من جديد، من أجل تخصيصها لإسكان 3500 عائلة.

إعادة الإستملاك سيكلّف الموازنة العامة ما بين 140 و200 مليون دينار، حسب تقديرات الممثل البلدي بالمنطقة، بينما مجموع موازنة الإسكان الجديدة للعامين المقبلين 166 مليونا فقط. فهل هي البداية للدخول الجماعي في زمن الأحلام المستحيلة؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2280 - الثلثاء 02 ديسمبر 2008م الموافق 03 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً