في قرار ذكي، وخطوة استراتيجة، قرر عاهل البلاد جلالة حمد بن عيسى آل خليفة التوجه نحو روسيا في زيارة رسمية تهدف لتعزيز العلاقة بين البلدين عموما والبحث عن القواسم المشتركة خصوصا. أما خلفية الزيارة فتعود إلى العام 2000، عندما زار موسكو وفد مجلس الشورى لمملكة البحرين برئاسة رئيس مجلس الشورى، حينها، إبراهيم حميدان، وما تبع ذلك من زيارة الوفد البرلماني الروسي برئاسة رئيس مجلس الاتحاد الروسي ورئيس مجلس الدوما لمدينة موسكو فلاديمير بلاتونوف المنامة في أبريل/ نيسان العام 2001. وكان من المقرر أن تتم زيارة الملك إلى روسيا آنذاك. غير أنها تأجلت بطلب منه.
في حقيقة الأمر، لو قيل لأحد من البحرين إن أعلى شخصية في الهرم السياسي البحريني، مهما بلغت خبرته السياسية وقدراته على القراءة المستقبلية، ستزور موسكو، سيعتبر ذلك ضربا من المحال، فقد كانت زيارة موسكو حينها محرمة على المواطن البحريني.
الصورة اختلفت اليوم، فموسكو أصبحت عاصمة لروسيا الأوروبية، والبحرين ألقت بقوانين القمع ومصادرة الحريات، بما فيها قانون أمن الدولة السيئ الصيت في مزبلة التاريخ، إن جاز لنا القول.
نحن هنا لا نتحدث فقط عن إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفياتي ومملكة البحرين، والتي دشنت في 29 سبتمبر/ أيلول العام 1990.
ويمكن أن تسهم بعض الإضاءات السريعة على العلاقات الاقتصادية القائمة بين البلدين في اللفت لما هو أرحب وأكثر استرتيجية لما هو قائم اليوم. لقد بلغ حجم التبادل السلعي بين البلدين في العام 2007 نحو 5 ملايين دولار. وتستورد البحرين من روسيا ما يزيد على 30 صنفا من السلع، منها الورق (نسبة 20 في المئة) والصفائح الفولاذية (60 في المئة) من مجموع السلع المصدرة. وكما هو واضح فإن ذلك لا يشمل صناعة المجوهرات الروسية ذات الصيت العالمي والتي يمكن أن تكون إحدى ركائز أنشطة تجارية وصناعية بحرينية مثل معرض الجواهر العربية.
والسؤال: ما الذي يميز هذه الزيارة، وما العوامل التي تضفي أهمية خاصة عليها؟ فالبحرين دولة صغيرة من حيث التعداد السكاني، وهي ليست من الدول الغنية التي يمكن أن تسيل لعاب الرأس مال الروسي سواء كقناة للاستثمار وجلب الرأس مال الروسي، أو كسوق لاستيراد ما تقذف به المصانع الروسية من منتجات بما فيها تلك المعدات العسكرية، أو لبناء تحالف استرتيجي في أسواق مشتركة مثل النفط أو الغاز.
لكن الأمور في العلاقات الدولية لا تقاس على هذا النحو ووفقا لمثل هذه المعايير الغاية في التبسيط.
أول تلك العوامل هو الحالة السيو-مالية (Poli-financial) المطبقة على الأسواق العالمية والمنعكسة على العلاقات الدولية بين البلدان، وبين الكتل الإقليمية، بما في ذلك بروز مراكز مالية وسياسية جديدة في قارات مثل آسيا وأميركا اللاتينية. يترافق ذلك مع حيازة دول صغيرة، ليست أوروبية، مساحة أوسع من تلك التي كانت تحتلها في العلاقات الدولية والمعاملات المالية في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، بما فيها مرحلة الحرب الباردة التي اشتد أوارها في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
ثاني تلك العوامل الفرص التي يمكن أن تتيحها البحرين، على رغم صغرها، أمام روسيا، على رغم كبرها، وعلى وجه الخصوص المستوى المالي. فعلى المستوى المالي، تقوم في البحرين، وتمارس أنشطتها المالية المتنوعة بين الاستثمار والخدمات المصرفية التقليدية، مجموعة كبيرة من المصارف، إسلامية وغير إسلامية، بوسعها أن تستقطب رؤوس الأموال الروسية النظيفة غير المنخرطة في عمليات المافيا الروسية لغسيل الأموال والاتجار بالمخدرات. وبالقدر ذاته يمكن لهذه المصارف تصدير الأموال التي بحوزتها إلى السوق الروسية المتعطشة لها والباحثة عن صيغة للتعاون معها في أسواقها الداخلية والأسواق العالمية الأخرى التي تمتلك علاقات حميمة مع أي من الدولتين: البحرين أو روسيا.
ولربما في اللقاء الذي أجراه الأخ جميل المحاري، ونشرته «الوسط» في عددها الصادر بتاريخ 26 يوليو/ تموز 2008، مع القائم بأعمال السفارة الروسية في البحرين، بعض من تلك الآفاق، ففي سؤال عن هذه الزيارة المرتقبة حينها أجاب بالقول: «أعتقد أن هناك آفاقا كبيرة لتطوير العلاقات بين البلدين سواء العلاقات التجارية... أو توقيع الاتفاقات الثنائية أو تطوير التشريعات الخاصة بجذب الاستثمارات».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2280 - الثلثاء 02 ديسمبر 2008م الموافق 03 ذي الحجة 1429هـ