كما أن الفرد يصاب بالمرض والتعطل والموت كذلك هي المجتمعات تتعرض للمرض والتعطل والموت نتيجة عوامل وأسباب مختلفة، ولعل من أخطر هذه الأسباب أو الأمراض «الإشاعة» بشتى صورها وألوانها ومصادرها، فالإشاعة الصادرة من فرد تختلف عن تلك الصادرة من مؤسسة أو وسيلة إعلامية معينة من حيث التأثير والفاعلية، وما أكثر ضحايا الإشاعة. والإشاعة قد تكون بحسن نية - ربما - وقد تكون بسوء نية مبينة القصد منها تشويه السمعة لهذا الفرد أو تلك المجموعة من الناس أو تلك المؤسسة. أو حتى هذه الدولة أو تلك وتزداد خطورة هذه الإشاعة ويتضاعف تأثيرها بحسب مستوى المصدر ووزنه في المجتمع. من هنا حذر القرآن الكريم من تلقي وتقبل الأخبار من دون التأكد من صدقيتها في قوله تعالى «يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» (الحجرات:6) وهو توجيه واضح كل الوضوح أن هناك من يتصيد في الماء العكر - كما يقولون - بغية تحقيق مآرب معينة لهذا الفرد أو تلك المؤسسة أو المجموعة متجاهلين النتائج المترتبة على هذا النوع من الممارسات غير الأخلاقية وغير الإنسانية الصادرة في مرحلة غياب أو تغييب للضمير والإحساس بالمسئولية.
وهذه النتائج يمكن تلخيصها فيما يأتي: إفساد العلاقة القائمة بين الأخ وأخيه، والأب وأبنائه، والصديق وصديقه، والزوج وزوجته، بحيث تؤدي إلى الانفصال التام في أكثر الأحيان، من هنا يمكن تصنيف هذا الفعل (الإشاعة) بأنه مرض اجتماعي خطير، بل هو (جريمة) بكل معنى الكلمة، وهل هناك جريمة أكبر من قطع ما أمر الله أن يوصل؟ وهل يمكن إصلاح ما أفسدته الإشاعة القبيحة؟ أشك في ذلك.
أشك في أن أرى مجتمعا نظيفا من داء الإشاعة، مجتمعا يحتضن بين أفراده الحرص على وحدة الصف ونظافة الكلمة وإعطاء الأمور أبعادها وهذا لن يتحقق إلا عن طريق الإيمان الحقيقي، النظري منه والتطبيقي.
خلاصة القول: إن مجتمعنا البحريني مبتلى - إلى حد ما - ببعض الأمراض الاجتماعية التي من أهمها الإشاعة وهذه الأمراض تتفاوت من مجتمع إلى آخر ومن فترة زمنية إلى أخرى، وأعتقد أن وجود ما ذكرنا أو عدم وجوده يتوقف على المستوى الثقافي والتعليمي والتوعوي، أي كلما كان المجتمع متعلما مثقفا كلما قلت هذه الأمراض بالتدرج، فهل نحن حريصون على نظافة مجتمعنا من أي داء؟ نرجو ذلك.
إقرأ أيضا لـ "علي الشرقي"العدد 1932 - الخميس 20 ديسمبر 2007م الموافق 10 ذي الحجة 1428هـ