تسلّم الإيرانيون قبل ثلاثة أيام الوجبة الأولى من الوقود النووي الروسي وزنتها خمسة وثمانون طنا والخاصة بمحطّة بوشهر لتوليد الطاقة الكهروذرية، وبحسب الاتفاق فإنّ هذا الوقود هو من نوع يورانيوم 235 المُخَصّب من دون الخمسة في المئة في المراحل الأولى
و62.3 في المئة في المراحل النهائية كحد أقصى، الأمر الذي يعني أن هذه المحطّة ستبدأ في إنتاج الكهرباء في شهر يونيو/حزيران من العام المقبل 2008 بحسب إفادة رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية غلام رضا آغا زادة. وعلى رغم أن سيرجي شماتكو رئيس شركة أتومستروي أكسبورت المملوكة للدولة والتي تقوم ببناء محطة بوشهر كان يُصِر في تصريحاته السابقة على أن التأخير في جدولة تسليم المحطّة يتعلّق بإشكالات مالية، فإنّ الأمور بدت أكثر جلاء الآن، بعد التقرير الذي أصدره مجلس الاستخبارات القومي الأميركي والمُعنون بـ «إيران: النيات والقدرات النوويةIran: Nuclear Intentions and Capabilities» والذي أبعد التجريم عن إيران وسعيها لامتلاك مشروع نووي عسكري منذ العام 2003 وهو ما يعني أنّ الروس بدأوا يشعرون بطمأنينة أكثر للمزاج الدولي تجاه أية خطوة من جانبهم نحو تدعيم المشروع النووي الإيراني.
وإذا ما أُخِذَ تصريح الرئيس بوش الأخير بشأن عدم ممانعته للخطوة الروسية تلك على أنه غَزَلٌ أميركي للروس فإنّ الأمر لا يعدو كونه تنفيسا عن الاحتقان الضارب بالعلاقات الروسية الأميركية بشأن الدرع الصاروخي المُزمع إقامته في بولندا، والتي ترجمتها التصريحات النارية لرئيس الأركان الروسي يوري بالويفسكي السبت الماضي والذي قال فيها «إنّ واشنطن تسعي إلى جرّ العالم إلى مواجهة مباشرة، وإن إطلاق أي صاروخ من منظومة الدفاع، قد يفسر في روسيا بوصفه هجوما على أراضيها، ما يؤدي إلى تشغيل نظام الدفاع الجوي الروسي آليا، وإطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات على أهداف ومنشآت أميركية». كما أنّ حديث بوش وضوئه الأخضر لتسليم شُحنة الوقود يأتي لإفراغ نواة الضغط عليه والتي أفرزها التقرير الاستخباراتي المثير للجدل والذي ميّع الخيارات العسكرية لواشنطن، وجعل من إدارة بوش تتعبّد بأية وسيلة أخرى تأتي مُعوّضة لها في هذا السياق، ليس آخرها ما نشرته صحيفة معاريف من توقّع صدور تقرير استخباراتي صهيوني يظهر تشاؤما بنيات إيران، واقتناعا بأن مهمة التخلّص من المشروع النووي الإيراني باتت ملقاة على عاتق تل أبيب وحدها.
الأكيد أن العداء الأميركي أصبح استنزافا للإدارات الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة، وتبيّن أن الإيرانيين ليسوا صنوا كوريا أو عراقيا أو كوبيا، هم عدو من نوع خاص، جرّب كارتر معهم عنترية ديمقراطية واستقبل الشاه في البيت الأبيض فأوجعه الإيرانيون برهائن السفارة الأميركية بطهران لمدة 444 يوما حتى أجهضوا فوزه في الانتخابات، ثم جرّب معهم رونالد ريغان العصا الجمهورية فأتعبوه باعتقال مراسل صحيفة «وول ستريت جورنال» في طهران ثم بتفجير السفارة الأميركية في بيروت وتدمير ثكنات جنود البحرية الفرنسية والأميركية، ثم جرّب الرئيس جورج بوش الأب معهم ذات الأمر فاستنزفوه بأزمة الرهائن، وتمالأ عليهم بيل كلينتون في قانون دامتو فأماتوه بالحوار النقدي مع أوروبا واستثمارات الطاقة الأحفورية، وجاءهم بوش الابن بيمينية مسيحية فاقعة فأصابوه في مقتل بنفوذهم في العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين.
الآنَ... لم يعد أمام الرئيس جورج دبليو بوش إلاّ أنْ يمضي قُدما في سياسة فصل الملفات في التعاطي مع الإيرانيين علّه يكسب نقاطا في صراعه مع الإيرانيين، وهي ورقة إنْ كان فيها عرق ينبض فلا أظنّ أنه سيسعفه حتى نهاية ولايته.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 1931 - الأربعاء 19 ديسمبر 2007م الموافق 09 ذي الحجة 1428هـ