سقط جسد الجمري الطاهر، وذرفت الدموع، وهاهي احتفالات ذكرى رحيله تعود، لكن سؤالا يتردد في داخلي دائما: هل يأتي اليوم الذي لا تعود فيه تلك الأسماء النيرة إلى سماء البحرين؟ هل تبقى المعاني والمشاعر والأفكار والاتجاهات والقيم التي ضحوا من اجلها؟ أم ترحل هي الأخرى؟ وهل يصبح الاحتفال فيها نوعا من الرسميات والوفاء لصاحب الذكرى؟ ام اننا سننقلها لأجيالنا بنفس الاندفاع وبنفس الإيمان؟ لا احد منا باقِ ولا احد منا يمتلك بقاء الإحساس، لكننا في المقابل شعب يقدس ما عبرت عنه تلك الشخصيات المناضلة وما آمنت به فهل نحتفظ بهذه الميزة أم نفقدها يوما بعد يوم؟
حقا الموت قادر على الإدهاش والإحياء معا، رحل الجمري بهدوء حزين، لكنه استقطب نوعا من الإجماع والرضا الوطني، فاستحق ان يكون من دون منازع رجل التغيير الأول، شيئا جميل ان يلتم الناس عن شخصية تجمعهم، رمزا يجدون فيه اتفاقا ومرجعا للوحدة، في زمن بات الاختلاف سمته، هكذا كان الجمري يجمعنا في وحياته ومماته معا، تلقيت دعوة من بنات الجمري لحضور افتتاح الملتقى النسائي الأول في مجلس الجمري ذلك المجلس الذي يتوسطه صورته الكبيرة، وتملأ روحه بين جوانبه، كان الحضور مميزا من خيرة نساء البحرين وابرزهن في مجالات عدة ثقافية ودينية وسياسية واقتصادية اختلفت توجهاتهن لكن اجمعهن الجمري بروح واحدة، فما الذي دار في ذلك المجلس؟
لا أجد في نفسي القدرة على الإمساك بالقلم والكتابة عن ما دار في ذلك المجلس كان الجميع يمتلك قلبا وعقلا متفتحا يرفض أن يعيش حالا من ضيق الأفق والتعصب، هناك عشنا حالة من احتفاء بالجمري ليس احتفاء أجساد بالقدر ما هو احتفاء بقناعات وبأفكار وبمشاعر جسدت هذا اللقاء النسوي على غير عادة، الجميع تحدث عن ماذا يمثل الجمري بالنسبة إليه، لكن لحديث أهله شعورا خاصا، كانت أم جميل سيدة المجلس بحق إذ العيون محدقة حولها، فهي أكثر الناس الماما بذلك الرجل، وهي اعلم بأدق الأمور، إذ وراء كل رجل عظيم امرأة، فما الذي تخفيه تلك المرأة الطيبة عن ذلك الرجل، وما عساها أن تقول وقد خلف رحيله غصة لن تموت أبدا، لكنها توثر الصمت دائما، وتكتفي بالترحيب، إذ البحرينيون كلهم عيالها، لكن ما اذرف الدموع حقا عندما تحدثت زوجة ابنه البكر أم عمار تلك المرأة التي لم تتفوه إلا بكلمات محدودة، إذ تخنقها العبرات، لكن كلماتها اصدق ما قيل «لم اعرف أبا غير الجمري، ولم أحس باليتم إلا بفقده، وأصعب موقف عندما جاء يتفقدني أنا وأولادي ليلة اعتقاله، لذلك بكيته يوم اعتقالي، لأنني اعلم بأن يبيت عيالي من دون أم ولا أب وهو في السجن سيؤلمه كثيرا»، أما زوجة ابنه صادق الطبيبة البيطرية فجر سلوم فقد قالت «كما كان مؤلما لعروس مثلي أن تلتقي بعمها لأول مرة في السجن، كنت أتمنى أن يعقد قراني على ابنه أو يأتي لخطبتي من أبي»، أما ابنته عفاف، فالحزن لم يفارق وجهها، إذ أجدها أكثر نساء البحرين كمدا على فراقه، فلا تسل بنتا فقدت أباها، وأي أب؟ انه الجمري.
الملتقى النسوي الذي عقد، كانت فكرته منطلقة من نساء أهل بيت الجمري يهدفون فيه كما أشرن إلى رفع مستوى الوعي لدى المرأة البحرينية على جميع المستويات، وبناء الجسور بين مختلف الأطياف النسوية، والمساهمة في دعم الحراك الثقافي، وبناء وتطوير الكفاءات النسائية، وإحياء المناسبات الخاصة بالمرأة، على أن يكون الحوار في الملتقى هادئا وحياديا ولا يتعرض للمسائل الطائفية أو المقدسات الدينية، على ان تكون الحرية الفكرية المبدعة في حدود المألوف.
أما عن الآليات المتابعة فقد وضعت من قبل القائمات على الملتقى والتي تنحصر في مشاركة ذوات الاختصاص في إدارة الحلقات، واستخدام التكنولوجيا في العرض وتوظيف الأساليب العلمية، إضافة إلى الاستفادة من الخبرات النسائية من خارج البحرين لعرض تجاربهم على المجتمع النسائي البحريني. شيء جميل أن يخلق هذا الملتقى النسائي إضافة مختلفة عن ما هو مطروح في الساحة البحرينية النسائية، ما يميزه ان باكورته أجمعت مختلف التوجهات النسوية في البحرين نأمل أن يستمر رواده بهذا النسيج، إذ إنه من المتعارف في البحرين بان لكل ملتقى طابعه ورواده، كما ندعم أن يخلق هذا الملتقى حراكا جديدا وإفرازات مميزة في عالم المرأة البحرينية، لذلك أشيد باقتراح الكاتبة البحرينية سوسن الشاعر في أن يشكل مجلس ادارة لهذا الملتقى ولاتكن مقتصرة على نساء أهل بيت الجمري، حتى لا تصبح برامجه منطلقة من وجهة واحدة، من الملاحظ انه تكرر في صيغ ميثاق الملتقى جملة - كما سميته - الاحترام المتبادل لا أجد أن البحرينيات يخرجن عن هذا الإطار دعوهن يثحدثن، يختلفن، فاخشي أن يتحول الملتقى إلى ملتقى رسمي لأطروحات ترضى الجميع في ملتقى أسس لان يكون مغايرا عما هو موجود، فكرة رائدة خرجت من بيت رائد نتمنى أن تتحول إلى واقع ملموس مختلف ومميز وليس إضافة عدد لما هو موجود، ولا ينبغي له أن يتحول إلى مجلس مخملي للظهور أو التحشيد الغير مبرر، فلنتكاتف معا لنجعل من هذا الملتقى وجها يعكس واقع المرأة البحرينية بحق.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 1930 - الثلثاء 18 ديسمبر 2007م الموافق 08 ذي الحجة 1428هـ