العدد 1929 - الإثنين 17 ديسمبر 2007م الموافق 07 ذي الحجة 1428هـ

هل سقطنا في هاوية الطائفية؟

عزت عبدالنبي comments [at] alwasatnews.com

لو أنك سألت الجهاز المسئول عن إدارة أي صحيفة يومية في البحرين عن أهم الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها صحيفتكم لأجابك بأننا نسعى إلى تحقيق الترابط مع المواطنين ودراسة المجتمع وتطوراته المتلاحقة بحيث تمكننا هذه الدراسة من طرح القضايا الحيوية عليهم، محددين رأينا في مشكلات المجتمع المتجددة، ومنبهين إلى هذه القضايا من خلال الكشف عن أسبابها ودوافعها ومحذرين من نتائجها وموضحين علاقتها بمصالح المواطنين ومسئولياتهم في مواجهتها.

ولو أنك طلبت من هذا الجهاز أو ذاك مزيدا من الإيضاح لقال المسئولون عنه إننا نواجه كثيرا من المعوقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية واننا نركز على أهمية تجنب هذه المعوقات والتصدي لها من خلال وعي مستنير بها ورأي عام يتصدى لها ويحول دون تفاقمها.

ولو أنك طلبت من هؤلاء المسئولين إعطاءك أمثلة لكل ما تقدم لقالوا: إن لدينا مشكلات التنمية الديمقراطية ومعوقات البطالة والإسكان وانخفاض مستويات المعيشة وغير ذلك من مشكلات الحياة اليومية للمواطنين التي تعرقل مسيرة المجتمع نحو التقدم، ثم يضيفون القول إن الجانب المادي من منجزات التنمية الاقتصادية والاجتماعية سيظل مهددا بعدم الاستقرار ما لم يدعمه تحول ثقافي يحقق للمواطنين الانسجام مع حقائق الحياة في مجتمعهم ونحن نساهم في تحقيق هذا التحول.

ولو أنك سألت المسئولين في هذا الجهاز عما إذا كانت الوسائل المحققة لأهدافهم تشمل المساهمة في تطوير مفاهيم وقيم المواطن لإعداده إعدادا صحيحا يكفل له أداء دوره في تطوير وتنمية مجتمعه وذلك بالتعرض لبعض السلبيات المتمثلة في نظرة البعض إلى العمل على أنه عبء وليس واجبا أو أنه وسيلة للكسب فقط وليس وسيلة لتنمية المجتمع، وأن البعض الآخر يعتبر قيمة الإتقان في العمل، أي التفوق فيه لا معنى لها إلا بمردودها المادي فقط وأن البعض الثالث ليست لديه قناعة ذاتية بأهمية الاستجابة للتحديات التي يواجهها المجتمع... فستفاجأ باختلاف إجابات هؤلاء المسئولين وتبريراتهم.

ولو أنك وجهت إليهم سؤالا مباشرا هو: هل تسعون إلى إذكاء التعصب الطائفي في المجتمع لأجابوك بالنفي، ويضيف كل منهم: لسنا نحن من نسعى إلى ذلك إنما انظر إلى صحيفة كذا وصحيفة كذا وطالع وحلل ما ينشر فيها فسيتبين أننا لا نقوم بتحريك الفتنة الطائفية وإنما نقوم بالرد على ما يثيره الآخرون من تعصب في مقالاتهم وآرائهم التي تنبع من حقد دفين أو من توجيهات يطلب منهم إثارتها في مقالاتهم.

وهكذا نصل إلى حقيقة مؤكدة يلمسها من يطالع الصحف اليومية ويحلل ما تتضمنه من مقالات بعض كتاب الرأي والأعمدة اليومية. وتتمثل هذه الحقيقة في أن هناك تراشقا طائفيا تدور رحاه في الصحف اليومية ولا يكاد يمر أسبوع إلا وتتجدد معارك هذا التراشق من خلال التعليق على أي حادث أو ظاهرة ثم ربطه بصورة مختلفة من صور التعصب الطائفي، بل إن البعض أصبح يترصد ما يكتبه بعض الكتاب فيشغل مساحة رأيه بالرد عليه واتهامه بعدم المعرفة أو بغير ذلك من الاتهامات, ويلجأ بعض كتاب الرأي والأعمدة اليومية الذين لا تسعفهم أحداث المجتمع لتسويد المساحة المخصصة لهم إلى تناول أية قضية بأسلوب رمزي ثم يستفزون القراء بالقول إنه على يقين من أنه سيتلقى منهم ردودا تتهمه بالطائفية وكأنه يثير فيهم روح التحدي ليبعثوا إليه بردودهم الطائفية على قصته الرمزية، بل إن الأخبار تتلون في بعض الصحف بلون طائفي وخصوصا أخبار مجلس النواب.

تحدي الكتابة اليومية

لاشك أن كثيرا من كتاب الرأي والأعمدة لديهم الموهبة والقدرة على الكتابة اليومية المتجددة في قضايا المجتمع المتعددة، وهم يقومون عن علم ودراية بدراسة هذه القضايا وتجميع البيانات والحقائق المتعلقة بها، ثم يعرضونها على القراء عرضا موضوعيا يتناول أسباب كل قضية والسبل المقترحة لعلاجها مركزين على دور الحكومة والمواطن في حل كل مشكلة، ولاشك أيضا أن موهبة وقدرة بعض الكتاب الآخرين لا تسعفهم في شغل المساحات المخصصة لهم فتراهم يتجهون إلى تناول القضايا المختلفة من منظور طائفي متصورين أنهم بذلك يؤدون ما هو مطلوب منهم وأنهم سيكسبون تعاطف جانب غير قليل من القراء.

لقد تسبب بعض الكتاب الطائفيين بما يثيرونه من تراشق طائفي في تغيير صورة المجتمع البحريني، ذلك المجتمع الذي لم يكن يتحدث عن القضايا الطائفية إلا بالهمس أو في نطاق محدود، ثم أصبحنا اليوم نعيش كابوسا يوميا من التراشق الطائفي بين بعض كتاب الرأي والأعمدة في الصحف اليومية فتراجعت قيم التسامح والمحبة وحلت بنا صور التحفز والإثارة وتخندق بعض القراء مع بعض الصحف في سراديب وأوكار الطائفية المظلمة والمهلكة للمجتمع.

ممارسة النقد

لا يعني حديثنا السابق أننا ننادي بإغلاق نوافذ النقد في الصحف المحلية، بل إننا نطالب بتوسعتها وفتح المزيد منها، وكل ما نرجوه أن نمارس حق النقد بكل حرية لقضايا المجتمع الملحة وصولا إلى حرية المناقشة المؤدية إلى الرأي السليم الذي يكشف عن أوجه الخطأ والصواب ويبيّن نواحي القوة والضعف فيها فكل تناقض في المجتمع يحتوي في طياته على الخير والشر معا والحسن والسيئ جنبا إلى جنب.

وأعتقد أن من اليسير حين نمارس النقد أن نمكن للحسن والخير من مقاومة الشر والسوء، ومن المفيد السير على طريق بعض الكتاب الوطنيين الذين يحرصون على الابتعاد عن النقد الذي يؤدي بوعي أو لا وعي وبطريق مباشر أو غير مباشر إلى إثارة النعرات الطائفية أو رؤية سلبيات الواقع فقط من دون تقديم المقترحات اللازمة لتحقيق الجديد الذي يسعون إليه، ومن المفيد كذلك الاستفادة من منهج كُتاب آخرين يرون أن لهم كل الحق في تعرية الجوانب السلبية المراد القضاء عليها، وعليهم في الوقت نفسه واجب إبراز الجوانب الإيجابية المراد تنميتها وصقلها ثم يقترحون الأساليب والوسائل البديلة والواقعية التي يمكن من خلالها القضاء أو الإقلال من الجوانب السلبية في القضايا المطروحة.

إن كل ناقد يسعى إلى إبراز شيء معين هو في الوقت نفسه ينفي أو يهدم شيئا آخر سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، بوعي أو لا وعي، ولذلك فإن كثيرا من كتاب الرأي الوطنيين يسألون أنفسهم قبل البدء في الكتابة: أي شيء يريدون إبرازه؟ وأي شيء يريدون هدمه؟ وكيف سيعملون على تحقيق الجديد المرجو من خلال الواقع الذي يحتوي على السلبيات القائمة؟ وهم يسألون أنفسهم: من أي أرضية يبدأ نقدنا؟ هل من أرضية طائفية أم من أرضية وطنية تهمُّ المجتمع كله؟ وإلى أين سيؤدي نقدنا، هل إلى مزيد من الصراع الطائفي أم إلى مساهمة فعالة في علاج مشكلات المواطنين أيا كانت انتماءاتهم المذهبية، وهم يراجعون دائما ما يكتبون ليطمئنوا لما إذا كانوا اتبعوا أسلوبا تصيدوا فيه الأخطاء أو استخدموا أسلوبا حادا ومنفعلا في عرضهم لموضوع المقال أو العمود الصحافي أو استخدموا أسلوبا جارحا تضمن تسفيها أو تحقيرا لما كتبه الآخرون أو هاجموا البعض مهاجمة شخصية أو نزعت أقلامهم للانتقام أم أن روح الزمالة وإبداء النصح غلبت على أسلوب طرح ما يكتبون؟

دعوة مخلصة

إذا أدركنا جميعا خطورة الانزلاق نحو التراشق الطائفي الذي نكاد نطالعه كل صباح في بعض الصحف اليومية فإننا نقترح أن يدعو وزير الإعلام رؤساء تحرير الصحف اليومية وكتاب الرأي والأعمدة إلى لقاء لعرض هذه القضية ومحاولة التوصل معهم إلى اتفاق يحدد حدود وإطار ممارسة النقد الهادف، ولتكن مدة هذا الاتفاق ثلاثة شهور يتم بعدها تقييم نتائجه وتحديد من التزم به ومن خرج عن حدوده، ومن تعمد إثارة النعرات الطائفية واستسهل طريق تخريب المجتمع وذلك في مواجهة علنية أمام الجميع ثم تتوالى اللقاءات كل ثلاثة شهور إلى أن تنجح في إزالة أشواك التراشق الطائفي من طريق الأخوة والمحبة الوطنية.

وإلى أن يستجيب وزير الإعلام لهذا الاقتراح أو لما قد يراه محققا لهذا الهدف، فإننا ندعو جميع رؤساء التحرير وكتاب الرأي والأعمدة إلى وقف الكتابة في المسائل الطائفية بطريق مباشر أو غير مباشر والاهتمام بالقضايا الأخرى التي تهمُّ الناس في حياتهم اليومية، وبذلك ننزع فتيل الأزمة التي أشعلها بعض الكتاب من حين إلى آخر ونحمي المجتمع والمواطنين من الانزلاق في هاوية الطائفية البغيضة.

إقرأ أيضا لـ "عزت عبدالنبي"

العدد 1929 - الإثنين 17 ديسمبر 2007م الموافق 07 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً