العدد 1928 - الأحد 16 ديسمبر 2007م الموافق 06 ذي الحجة 1428هـ

أحمدي نجاد في مشهده الخاص

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

صَبُوحُ السياسة في إيران لا يصمد حاله لأكثر من يوم أو بعض يوم، فيَتَمَسَّأ مع غَسَقِ ذلك البعض وهكذا دواليك. ثم إن المدى يمتد من الموضوعات ليطال مصاديقها، فلا عُرف سارٍ ولا قيمة لسلوك مادام الفضاء مفتوحا للجميع وعلى الجميع. وليكن لك حقا في أن تستمرئ متابعة الإيرانيين وشأنهم، لكن الضريبة في ذلك حتما ستكون رواية أو دراية ناقصة، ليس لك فيها من ذنب سوى أن ما تُتيحه أنت من قدرة على التشخيص لا يتناسب وعاهة المشهد ليس إلاّ وهي نتيجة يجب أن يتحملها المتحدون. في بحر السنتين الماضيتين حدثت أمورٌ كثيرة في نسيج الأحزاب والحوادث معا. وربما أمْسَكْتُ حاضرا عن سرد ما كان، بسبب التمنع من إعادة ما حدث، والاكتفاء بخواتيم الحوادث لأنها أجدى وأنفع لاستشراف ما قد يجري حتى 14 مارس/ آذار المقبل حيث الانتخابات التشريعية الثامنة ومن ثم الرمي بالبصر حتى مايو/ أيار العام 2009 موعد انتخابات الرئاسة العاشرة.

الآن... وعلى رغم أن خليط الإصلاحيين غير المتجانس (واحدا وعشرين حزبا) قد رفعوا شعار «إنقاذ البلاد من أزمة» تسبب فيها الرئيس محمود أحمدي نجاد متيمنين بمبادئ الرئيس السابق محمد خاتمي، فإن الأهم من ذلك الصدأ السياسي المُمل هو الحديث عن جبهة اليمين، أو بحسب ما اصطلح عليه في الفترة القريبة الماضية من قِبَل شيخ الجبهة الأول وملهمها آية الله الشيخ مهدوي كني بـ «المظلة الشاملة للمحافظين». المُعادلة المُركبة اليوم داخل اليمين المحافظ في إيران هي حقا معقدة، ولم يعد همُّ فكِّها هو الأقرب إلى المعنيين بقدر ما تكون الرغبة في حلحلتها وبسطها لكي تستمر بسلاسة لمواجهة التحديات وصرع التنافسات، فجميع أطياف اليمين كالمحافظين التقليديين والمستقلين والتقدميين وبناة الشباب والجهاديين وحزب الله وغيرها من التشكيلات تصيّروا في جبهة 5 + 6 التي يحتويها جوف «المظلة» التي أعلن عنها الشيخ مهدوي كني ولم يعد أمام أنصار الرئيس أحمدي نجاد إلاّ أن يختاروا أحد طريقين، إما الانضواء تحت هذه المظلة أو المُضي قُدما نحو الترتيبات المُنفردة والأحادية، وعندها سيكونون أمام مُنافِسَيْن اثنين، هما الإصلاحيون بأحزابهم العشرينية، والمحافظون بأحزابهم العشرة، وهي مهمة قد تنجح كما حصل في انتخابات الرئاسة التاسعة في مايو العام 2005 وقد تبور كما بارت قائمة الرائحة الطيبة في مارس العام 2006 خلال الانتخابات البلدية الثالثة.

ما يهم الآن هو أن الظاهرة النجادية في إيران أصبحت كعجل السامري في فتنتها، فلا المحافظون ولا الإصلاحيون بقادرين على استيعاب الرجل وفريقه، المحافظون يعتبون عليه تهميشهم واستبعادهم من الرأي والمشورة والتنفيذ، والإصلاحيون ينقمون عليه بسبب الخلافات الفكرية والأيديولوجية الغائرة بينهم وبينه، المحافظون التقليديون خرجوا من حكومته باستقالات تسع للتعبير عن عدم رضاهم من طريقة إدارة الدول، وهم متخوفون من أن يُلقى فشل الحكومة التاسعة برئاسة أحمدي نجاد على مستقبلهم السياسي والانتخابي في أية تجربة قادمة، على اعتبار سهولة الاختزال الشعبي لسلة المحافظين من دون تفريق بين تقليدي وتعميري، لذلك فهم يودون إقامة برزخ بينهم وبين أحمدي نجاد وفريقه لتظهير ما أمكن من التمايز السياسي عنه طمعا في التخفّف من أي مثالب قد تسقط من أعلى كتف الحكومة، أما الإصلاحيون فإنهم أعادوا إنتاج أنفسهم بالثيمات ذاتها التي غادروا بها السياسة الإيرانية منهزمين بعد انتخابات البرلمان السابع في فبراير/ شباط العام 2004، بعد تصريحات الناطق باسم الائتلاف الإصلاحي الجديد مرتضى حاجي الذي أفصح عن قيمومة جبهة المشاركة الإسلامية على التيار الجديد وفي ذيلها رابطة علماء الدين المناضلين «روحانيون مبارز» التي أُفرغِت من العناصر الثورية الراديكالية بعد خروج الشيخ مهدي كروبي منها وتشكيله حزب الاعتماد الوطني ومعه غالبية القيادات التاريخية في «روحانيون مبارز».

ما يهم الآن هو الإشارة إلى أن ما أشاعه الرئيس أحمدي نجاد وفريقه التنفيذي من تجاوز للطبقة السياسية والحزبية في إيران شيء وتقييم إنجازات حكومته شيء آخر، والإشكال القائم هنا أن المحور الأول يدفع ببخس المحور الثاني بإطلاق من قِبَل الخصوم، فحكومة الرئيس أحمدي نجاد إن جيء لها من الجنبة التقييمية فلابد أن يُشهد لها فيما نجحت فيه وأن تُواجه بما أخفقت فيه ليكون الفصل موضوعيا في ذلك، فالسياسة التي اتبعها الرئيس أحمدي نجاد فيما يتعلق بالسياسة الخارجية التي أدارت الملف النووي الإيراني كانت أكثر من ذكيّة، فهو أولا وَرِثَ هذا الملف من سلفه محمد خاتمي وإيران أمام خيارين، إما أن توقف التخصيب أو أن تستمر فيه، على رغم أن إعادة العمل بالتخصيب كانت في الأيام الأخيرة من عهد الرئيس خاتمي الذي زار في 30 مارس العام 2005 المنشآت النووية الإيرانية في مدينتي إصفهان ونطنز وتفقد قاعتين رئيسيتين واقعتين تحت الأرض لتدشين أجهزة الطرد المركزي وأعلن من هناك أن طهران تنوي إعادة تخصيب اليورانيوم في المستقبل القريب، وإن كان العمل بالتخصيب قد أعيد العمل به بفعل ضغوط اليمين المحافظ التقليدي - الذي يسيطر على البرلمان الحالي - على حكومة خاتمي في نهاية عهدها فعلام الانتقاد لحكومة أحمدي نجاد وإدارتها للملف من قِبَل اليمين التقليدي فضلا عن الإصلاحيين.

أضف إلى ذلك أن نجاد فتح لإيران قناة دولية في التفاوض وهي روسيا والصين لسحب البساط من تحت الترويكا الأوروبية التي جَنَحَت للراديكالية الأميركية بعد فوز نيكولا ساركوزي في فرنسا وأنغيلا ميركل في ألمانيا، بل إن أوجه الاعتراض الأميركي الأوروبي القائم على ازدواجية مطلبية وهي إيقاف التخصيب وإغلاق معمل أبحاث الماء الثقيل في أراك (وهو المعمل الذي كان موجودا منذ أيام الرئيس محمد خاتمي) هي لب الخلاف الإيراني الدولي في كامل الملف النووي، وبالتالي فإن اللوم من قِبَل خصوم أحمدي نجاد بهذه الطريقة قد لا تكون له وجاهة موضوعية، في الوقت الذي استطاع المفاوضون الإيرانيون وتحديدا إبان أمانة علي لاريجاني للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أن ينفردوا مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية باتفاق «تفسير النقاط المُبهمة» حتى نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل وتسوية قضية البلوتونيوم في محادثات شهر سبتمبر/ أيلول الماضي.

في موضوع الاستثمار، لا أظن أن تجريم الحكومة النجادية من أنها أخفقت في جلب الاستثمارات الأجنبية لإيران هو تجريم موضوعي، وهي إن صدرت عنهم فلا أظنها خارجة عن استحقاقات حزبية وانتخابية، فالاستثمارات الأجنبية في الجمهورية الإسلامية من قبل الدول الصناعية الكبرى ومن بينها الصين وفرنسا وألمانيا واليابان وروسيا وإيطاليا وبريطانيا وحتى الولايات المتحدة وصلت إلى أرقام جيدة في عهد الرئيس أحمدي نجاد على رغم امتدادها لبداية الألفية، فبلغت استثمارات الصين 101 مليار و740 مليون دولار، وفرنسا 29 مليارا و900 مليون دولار، وألمانيا 25 مليارا و400 مليون دولار، وإيطاليا 24 مليارا و700 مليون دولار، واليابان 16 مليارا و900 مليون دولار وروسيا 3 مليارات و750 مليون دولار وبريطانيا 12 مليارا و700 مليون دولار والولايات المتحدة الأميركية 3 مليارات و400 مليون دولار، معظم هذه الاستثمارات في مجال البتروكيماويات والنفط والغاز والنظام المصرفي والمشروعات الإنشائية.

أما الحديث عن إخفاقات في مجال التنفيذ فإنه تجنٍّ غير مُبرر، فحكومة أحمدي نجاد قلّصت من المركزية لصالح الأقاليم والمحافظات الثلاثين وأصلحت نظام الموازنة من خلال المادتين 138 و144 من قانون الخطة التنموية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تدوين لائحة موازنة 2006 - 2007، كما خطى قطاع النفط والغاز في العام 2007 بمعدل 2.1 في المئة وقطاع الصناعة بنسبة 6.7 في المئة وتنامى قطاع الخدمات في العام 2006 بمعدل 5.6 في المئة ومؤشر الرفاهية الاجتماعية بنسبة 6.5 في المئة، وانخفضت البطالة من 12.4 في المئة إلى 11.5 في المئة في العام 2006، كما انخفض الفاصل بين أعلى وأقل معدل بطالة في محافظات الدولة من 6.6 في المئة إلى 1.8 في المئة في العام نفسه، والنمو النقدي بنسبة 34.3 في المئة بزيادة وقدرها 10.3 في المئة، كما كانت نسبة انخفاض التضخم 2.5 في المئة، وبلغت نسبة الزيادة في صادرات السلع غير النفطية 48.5 في المئة، وفي قطاع الخدمات إلى 10.2 في المئة، كما زادت اعتمادات المشروعات القومية بمعدل 92.9 في المئة، وتزايد معدل محو الأمية من سن 6 سنوات فما فوق من 86.5 في العام 2005 إلى 87.1 في المئة في العام 2006، ووصل عدد الكتب المنشورة في العام 2006 إلى 110057 فيما كان هدف الخطة الرابعة للتنمية هو 40859 كتابا، كما تزايد عدد النشرات من 62 نسخة لكل ألف شخص إلى 67 نسخة لكل ألف شخص في العام نفسه وزيادة العدد الإجمالي للمراكز الصحية والعلاجية بمعدل 3.4 في المئة، ووصل إنتاج القمح إلى 14.3 مليون طن والحبوب الزيتية إلى 551 ألف طن.

إن الفصل بين النقد لإدارة الدولة والعلاقة مع الفرقاء والخصوم يجب أن يكون مفصولا عن تقييم أداء الحكومة النجادية، لأن اختلاط الأوراق قد يُغيّب كل الأمور لصالح الاحتراب، لذلك يبقى النقد نقدا في سياقه، وتبقى الإشادة إشادة في محلها.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1928 - الأحد 16 ديسمبر 2007م الموافق 06 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً