العدد 1928 - الأحد 16 ديسمبر 2007م الموافق 06 ذي الحجة 1428هـ

تهنئة أبوأمل بعيد التضحية الوطنية

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

مرة أخرى تشاء إرادة الباري عز وجل ألا تكون بيننا أيها المناضل الوطني الكبير الوالد عبدالرحمن النعيمي (أبوأمل)، ونحن هنا نحتفل بالعيد الوطني المجيد وعيد الأضحى المبارك، فعيدك أنت ورفاقك الراحلون والذين على عهدك وخلقك باقون هو عيد التضحية الوطنية المجيدة الذي لم تكتب عنه «الذاكرة الوطنية» شيئا حتى الآن، فتمنينا أن يكون عيدكم ثالث الأعياد في هذا الأسبوع، وإن كنا على عهدنا لم نفقد الإيمان بهذا العيد الذي سيأتي حتما وستتجسد به زهور تلك القيم النضالية والكفاحية الرائعة، وسيحصد شعبنا العظيم ثمراتها بعد أن رويت بمعين الاجتهادات والتجارب الوطنية الخصيبة.

أيها الأخ القريب والصديق العزيز والوالد الغالي ودواة القلب ورمانة الروح احترت في هذه المناسبة فيما سأحدثك عنه قبل أن أهنئك بأعياد الوطن والأمة والتضحية، بعدما طال عنا غيابك القدري بفعل المرض المفاجئ الذي ألمَّ بك، والذي نرجو أن يكون محطة نوعية من محطاتك النضالية الوطنية وتجربة تغرس بك تطلعات وآمال أكثر تجددا بالحياة الكريمة التي ينعم بها كل مواطن متحاب مع أخيه على هذه الجزيرة الوادعة والمعطاءة.

عمَّ أحدثك في هذه المناسبات السعيدة بعد أن كانت أحاديثك معنا خير منهل نختبر به طعم الحياة ونغترف منها تجارب وطنية وخبرات مفصلية ربما لم نشهدها بسبب أحكام الزمن، ربما نتناول ما تجسده هذه المناسبات من قيم الانتماء والتضحية والتجرد والتنزه والتقرب بأعمالنا وعباداتنا ومعاملاتنا إلى الله عز وجل، فأنت وحدك علمتنا أنه إذا كان العمل المخلص مهما كان حجمه وقدره هو عبادة وشعيرة لها أجر وثواب فإن العمل النضالي الوطني المبادر لأجل إعلاء شأن الحق والوصول إلى كلمة سواء من دون ابتغاء أجر ومصلحة وتحصيل هو أفضل شعيرة وأجل عبادة تتحقق لنا بها مفخرة الانتماء إلى وطن يحضن جميع أبنائه، ولا ينغرس أثره إلا بالتضحيات الصادقة التي لا تروم إلا تحصيل الأموال والصدقات والمناصب والمتاجرة في الحفلات والأمسيات لأجل حصد الأوسمة والنياشين.

ومثل تلك التضحية لا تكون تضحية إن لم تكن التجرد والتنزه هي مجازاتها نحو التحقيق والقبول، إن كنت تعلم ذلك فغيرك من مدعي الشرع والتقوى والتنطع برضا الله وولي الأمر بحسب مفاهيمهم المتوارثة وثنيا لا يفهمون ذلك أبدا ولا يقيمون له وزنا وربما اعتبروه تهرطقا وتفلسفا ومسا، وربما لا يود أن يفهمه للأسف بعض مدعي الرفاقية النضالية ممن يرون في التفلسف حكمة وتفوقا، وفي صداقة الشخصيات العامة موهبة للترقي والصعود، ومن وجد في ميادين النضال الوطنية، التي كانت فيها لمن هم في مثل مقامك خطوات وبصمات ساخنة، حديقته المعلقة الخاصة وربما ناديا أو صالونا مغلقا لا يجب أن يدخل إليه دونهم من الأحداث وصغار السن وإن أثبتوا خطابا استشرافيا وحالما مغايرا، أو نشاطا مثابرا ومجدا ونبوغا فطريا ليس لهم به ذنب، فإن كان السن والحداثة العمرية تشكل بالنسبة لهم معضلة والنبوغ والمثابرة المبكرة أم المعضلات، فليعلموا إذا أن هنالك سلاحف رابضة في أقصى جزر «غالاباغوس» وقد ناهزت مئة وأربعة عشر عاما دون أن تتحرك شبرا!

لعل الفرق بينك وبينهم يا أبوأمل هو أن شموع النضال الوطني تلك صقلت معدنك وجلت روعتك، في حين أنها كشفت اختلالاتهم وتشوهاتهم وهواجسهم المريضة!

فلقد كانت مشكلتك يا والدي الغالي هي أنك كنت دوما متواضعا في زمن يقرن الناس فيه التواضع بالضعة، وكنت كبيرا في زمن يحسب الناس الكبرياء فيه بالجاه والسلطان وامتلاك المعرفة العقلية والنقلية أو في أكثر الأحيان بالدوس على رؤوس وأكتاف الناس وصولا إلى غايات دنيوية دنيئة، وكنت زاهدا في زمن يقترن فيه الزهد بالتقشف في محبة جميع الناس بمن فيهم من آذانا، وكنت متصوفا في تعاليك على الصغائر والمفرقات والنقائص في زمن يحسب فيه التصوف توصفا بكامل الأوصاف والتفخيمات الملكوتية، وكنت ومازلت حاضرا في زمن يعد البعض الحضور فيه بمثابة جلوس في المقاعد الأمامية لندوة أو منصة وتوزيع الابتسامات والتصفيقات وأخذ الصور من دون أن يترك بعدها أي أثر، فذلك السمو الأخلاقي والنضوج الخطابي والتفاعل الميداني القريب من قلب الحدث... ألم تؤهلك لأن تكون ماضيا وحاضرا ومستشرفا مصلحا اجتماعيا ووطنيا بارزا!

فإن عد البعض بسوء فهم أن ذلك انتقاص من شأنك لكونك لديه ذا مسعى سياسي واقتصادي «علمي» و «واقعي»، فلو كنت كما ذكروا لربما كانت حالك تغيرت كثيرا عما هي عليه وكذلك صفك وصحبك وقلبك!

هم البعض ربما نسوا أن أدوات السياسة والاقتصاد تلك القابلة للتكييف والتحول والتغير غير ذات قيمة إن لم تكن ولدتها الغايات والقيم والحاجات الاجتماعية المثلى لتحقيق الحرية والعدل والمساواة وإحراز قيم الأخلاق والتقدم النهضوي وأن العلم السائل والعقل الصلب قد لا يعنى ويعكس ذلك في كل مرة ومرآة!

أعلم أنه لا يروقك ولا يروقنا أيضا الحديث والانتقاد للآخرين والتشمت بمصائرهم وإن كان ذلك رمزا ومجازا في حضرتك، فأرجو أن تعتبرها بشارات تفرحك وتملأ قلبك الرحب غبطة وسرورا إن كان من أساؤوا إليك ذات يوم أدركوا أخطاءهم وصححوها وواصلوا مسعاهم بشكل نبيل ومحترم في دروب الحياة!

أعلم يا والدي أن البعض ممن هو في سن أصغر أبنائك ممن تطاول على قامتك الوطنية الرفيعة بأسلوب صبياني فج أصغر بكثير من سنه من دون أن يقدم على ذلك عقلا أو دينا أو أدبا يتمظهر به، ومن دون أن يقدم لذلك معنى داحضا، إن هذا البعض قد كبر وتعقل أخيرا ونمت له أحلام بأجنحة دستورية صغيرة قد يعلو طيرانها وتحليقها ذات سقف البرلمان فـ «العيال كبرت» بعد أن ملأت الدنيا شتما وتطاولا وافتئاتا وتحصيلا نيابيا من مال الشعب من دون مردود ملموس!

وهناك في جهة أخرى، كادت أن تهترئ وتتفسخ أحلاف المصالح الجاهلية القذرة بين أصحاب ووكلاء المقاولات الصحافية وفرقة نيابية إسلاموية بعد أن قامت الأخيرة المسكينة بالتجرؤ على أعراف العربة والمقصورة البرلمانية فارتكبت وارتبكت لأول مرة بمبادرة عملية هي «انسحب ساعة واعتذر لألف ليلة وليلة»، ولكن مثل ذاك الاعتذار المحتمل والتردد الشهرزادي المباح لم يقنع كبير المقاولين الصحافيين الذين علمهم فنون التلميع والتشييد والصف ولو كان مع العدم، فسرعان ما شهدنا تحول «الأحباب» و «أصحاب الإنجازات البيضاء» و «رواد التكافل الاجتماعي» و «ناصري الدين والوطن» و «كاشفي الغمة الولائية» لدى مقاوليهم الصحافيين، إلى «بهلوانيين» مرة واحدة!

وإن كنا قد آمنا بأن «البزنس إز بزنس»، فإننا لم نعلم أن سوق وبورصة تلك الأبواق الصحافية أسرع عدوا واختلالا وحساسية من أسواق وبورصات العالم أجمع، وأن تلك الصفقة السوداء القذرة وإن كانت ثقيلة على صدر القيم والمبادئ المهنية الصحافية فإنها أخف من ذرور الرماد في تطيرها بهبوب ما لا يشتهيه طفو أخشاب المصالح الدنيئة!

ولا أعلم إن كانت تلك بشارة أم أمرا آخر، إن نجح الإخوة في البرلمان بإقرار ما يكافح الاتجار بالبشر، فأنا أراه نجاحا كاسحا لهم ولغيرهم إن ساهم فعلا في إنصاف وتعويض وحماية جزء معتبر من مكونات المجلس الوطني التي هي ذاتها أقرب إلى أن تكون من ضحايا الاتجار بالبشر التي يتم تسخيرها واستغلالها إقطاعيا في معارك عبثية، فمن أن أراد أن ينهض بالبلاد ويعدل من أوضاعها فليبدأ بنفسه، وهؤلاء الضحايا ربما «لعبوها صح» وفعلوها وأثبتوا أنهم على قدر المسئولية، فهم ضربوا دجاجتين بلوح واحد، فحاولوا أن ينصفوا أنفسهم وفي الوقت ذاته حاولوا أن يحفظوا ماء الوجه في الخارج!

هل أتاك حديث أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد حضر وزار البلاد، واستقبل بحميم الدفيء والأحضان ووافر القبلات، ووقع عددا من الاتفاقيات الاستراتيجية العظيمة، وطاف بـ «حالة بوماهر» وغيرها من ضواحي ما جعلوا منه «الفاتيكان» المحرقي الجديد من دون أن يعترض سبيله «ناشط سياسي» واحد ولا نائحة مستأجرة، ولا حتى ذاك التحفة الذي اختفى كسراب رمادي من المشهد بعد أن دأب على إلقاء الاتهامات والمداخلات والمقالات عليك ليفر، ويولي بعدها هاربا من دون أن يهتم بالإجابة والتفاعل المطروح منك حولها لكأنما هي حالة من الغثيان أصابته وشاء أن يتخلص ويتحلل منها بأسرع ما هو ممكن، إنهم كما عرفت وعرفنا ويعرفون أن «إيران» هي جارة وشقيقة للتكامل والمساومة والتنسيق خارجيا، وهناك «إيران» تستخدم من قبلهم للإثارة والإلهاء والتدمير الذاتي للمجتمع والوطن!

أو ممن دأب من الجهلة الخاسئين على الافتئات عليك أنك عميل لإيران وأنك تعتاش على خيراتها على رغم كون ماضيك وحاضرك واستشرافك القومي والوطني اللاهب يفحمهم، وأنت قبل كل ذلك ابن من قام ذات يوم بتزويد الشيخ خزعل الكعبي في الأهواز العربية بالأسلحة في صراعه ضد جبروت وعدوان المملكة القاجارية بفارس!

وغيرهم ممن نصب نفسه وليا على الناس في دينهم ودنياهم وأرزاقهم فيتهموك بالزندقة والتحريض على المجون، ونسوا أن ما لديك أعظم وأغلى بكثير مما لديهم، أنت نشأت حافظا لكتاب الله عز وجل وحججت أربع مرات، وعملت مطوفا منذ الصغر على العكس ممن ابتدأ حياته خريجا نابغا للشوارع وارتدى السلاسل وصنع على زنده وقفاه الأوشام، ولما «تاب» مازال محتفظا بأخلاقياته الأولى تلك ووفيا لها وإن أخفى مظاهرها لباسه التقوي الجديد!

أنت لديك يا عزيزي ما ليس لديهم في تعاملك مع الجميع من روح شاهقة عصية على التسلق، ومخزون ثري من طاقات تلك المعاني القيمية الجوهرية الخالدة وشعلة الأخلاق الصافية، والأهم من كل ذلك هو الجهاد الأكبر والقدرة المعجزة على قول الحق ونصرته في زمن أغبر وجميعها شكلت الجذور الروحية للرسالة الخالدة للرسول الأعظم (ص)، وهم المساكين اكتفوا فقط بالمزايدة الفقهية الجاهلية، وبأمر الناس بالمعروف ونسيان أنفسهم والأقربين إليهم، واكتفوا ببضاعة طقوسية موسمية و «صلوخ» الاستعراضات العبادية والشرعية المنافقة، وهم يثيرون العصبيات الجاهلية ويضعون للسلطة ما يوضع لله عز وجل من تنزيه وتسبيح، ويستغلون الجميع لأجل الوصول لمصالحهم ومآربهم الانتهازية والدنيوية، ويقولون لك بعدها «كان آباؤنا وأجدادنا يفعلون ذلك»!

وربما أعداؤك أعداء الشعب أعداء الوطن الذين لا نعلم إلى أين ستأخذ بنحورهم مكائد حتوفهم ومصائرهم، هم عصابة «المحافظين الجدد - فرع البحرين» فلنحذرهم ونتصدى لهم جميعا قاتلهم الله أنَّى يؤفكون، هؤلاء لا يختلفوا عن أشباههم الأكبر في الولايات المتحدة الأميركية، فالفريقان ظاهرهم الورع والتقوى والحديث القدسي وباطنهم غابات شر مدلهم، فإن كانت الطغمة الأميركية الشريرة من عصابات النفط والأسلحة خططت لغزو العراق وتمزيقه وتدمير أبنائه ببعضهم بعضا، فإن أشباههم هنا دأبوا على افتعال الفتن والفرقة والتشطير العمودي للمجتمع الواحد المتحاب حتى يتسنى لهم هم و «فزاعاتهم» في البرلمان والصحافة وفي كل محفل مؤسساتي أن يحققوا التعمية والإشغال عن شفط الأراضي والبحار وأموال وثروات الشعب أولا وآخرا والتشريع والتقرير بحسب مصالحهم الخاصة من دون اعتبار لهذا الشعب ومصلحته الوطنية العليا، فهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين!

فلتعلم أيها الأخ القريب والصديق العزيز والوالد الغالي ودواة القلب ورمانة الروح سواء كنت بيننا أو بعيدا عنا ولكنك لم تفارق قلبنا وعقلنا وهجس روحنا، أن قدرك هو أنك لن تتردد أبدا في أن تفتح لهم جميعا بيتك وبيتنا الوطني العامر والمتواضع إذا ما ضاقت بهم ذات يوم سبل «الفاتيكان» المحرقي الجديد!

وقدرك أن تنتشلهم ذات يوم صباحا فيما دون مزبلة التاريخ وأنت ربما تتجه كدأبك لشراء الصحيفة أو الخبز للإفطار من رزقك الحلال، قدرك أن تنظفهم وتسعفهم من جور الزمان وغدر انقلاباته وتعوضهم عما فقدوه من حنان وتربية وطنية يا شيخ التضحيات والمضحين!

وقدرنا أن نهنئك ونبارك لك هذا العيد وإن لم تكن بيننا عسى أن يجمعك الله معنا في مائدة حب وطني واحدة بعد عودة مظفرة وميمونة أو في رحاب ملكوته، والله على كل شيء قدير.

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1928 - الأحد 16 ديسمبر 2007م الموافق 06 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً