العدد 1927 - السبت 15 ديسمبر 2007م الموافق 05 ذي الحجة 1428هـ

وهل الوطن إلا الحب؟

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

دائما كانت الأدبيات الإنسانية تختلف في تفسير مفردة «الوطن»... أهو الأرض... أهو الشعب... أهو السلطة... أهو السيادة... وهل إذا غاب ركن من هذه الأركان انتفى «الوطن»؟

وغالبية المذاهب السياسية والاجتماعية وحتى الفلسفية كانت ميالة لتجاوز التعبير السطحي عن «الوطن»، لأن العوارض القانونية والأركان السياسية لا تستطيع أن تزعم بأنها وطن، لأن الوطن ما دون ذلك وما عداه.

من عاش في المهجر ربما يدرك أكثر من غيره التعبير العضوي بين العاطفة والكرامة، لأن وطنا من دون عاطفة... من دون وصال إنساني لن يخلق حالة القرب والالتصاق، وما عسى الأرض وحدها وإن عزت أن تولد شعورا وحيدا بالانتماء.

وفي المقابل هل لكرامة من دون أرضٍ أن تزرع في المرء قيمة الانتماء، ولكن اليوم تتجه الإنسانية إلى وضع معايير ومؤشرات تقاس من خلالها قدرة المنظومة الاجتماعية على التوافق والانسجام، وتحقيقها للأهداف التنموية في المجتمع، وقدرتها على الحراك والتفاعلية.

اليوم هو العيد الوطني، ومن مميزات الأعياد أنها تقدّم فرصا مهمة وهادئة للمراجعة الذاتية الموضوعية، وتمنح فسحة من الزمن للوقوف على حصيلة عام كامل، ماذا كنا، وأين وصلنا، وماذا حققنا خلال عامٍ مضى، وفي حالتنا البحرينية أزعم أن الوطن يخط رجليه نحو تنمية حقيقية على رغم وجود الكثير من العوائق والتحديات التي تختبر قدرتنا جميعا على عبورها بنجاح.

التجربة الإصلاحية الجديدة في البحرين قطعت شوطا مهما جدا، و جزء كبير من طموحاتنا... أحلامنا قد تحقق بالفعل، ولكن جزءا كبيرا آخر لم يتحقق بعد، وفي العام الماضي وفرت المشاركة السياسية لفصائل المعارضة فرصة متميزة على صعيد إثراء التجربة، وكسر الروتين الذي كان سائدا فيما قبل، ووفعلا استطعنا أن ندخل مساحات جديدة لم تكن سانحة أمامنا من ذي قبل.

البرلمان بدأ يعالج بهدوء ملفات مهمة وجوهرية تستحق الالتفاف الشعبي حولها، ومنها ملفات الأراضي والتمييز وتحسين الوضع المعيشي، وهناك تقدم ملحوظ قد طرأ خلال هذا العام، و لدينا صحافة حرة إلى حد كبير، وسهام النقد البناء بدأت تصل لأعلى المراكز في الدولة، وهناك حراك شعبي مهم خلقته اللجان الأهلية في طرح الملفات المؤرقة للمواطن حقوقيا ومعيشيا.

لا أبالغ إن قلت إن الحكومة جادة في معالجة الأزمة الإسكانية المتراكمة، وبدأت الحكومة تشعر المواطن بجدية التحرك، وأعلن عن مشروعات إسكانية ضخمة في مختلف المناطق، كما تمت مباشرة العمل في مشروعات إسكانية استراتيجية مثل مشروع المدينة الشمالية الذي كان حلما ينتظر عشرات الآلاف من المحرومين من أهالي هذه المحافظة التي دفعت ضريبة نشاطها السياسي.

نلمس جميعا حركة واسعة على صعيد تطوير الشوارع والإعلان عن أنفاق وجسور في مختلف مناطق المملكة لم نكن نسمع عنها سابقا، وهناك تقدم على مستوى الصحة والتعليم والتنمية الاجتماعية، ولدينا استقرار أمني يحسدنا عليه الآخرون، ولكن في المقابل لم نتقدم في مساحات مهمة جدا مثل الإصلاح الدستوري والسياسي وتعديل الدوائر الانتخابية والشفافية والمصالحة وإغلاق ملفات الحقبة الأمنية السابقة بشكل كامل والحد من التمييز الطائفي والسياسي والفئوي بما يجعل من مشاركة الناس في المؤسسة التشريعية حقيقية وفاعلة وذات أثر.

ما زالت هناك عشرات الآلاف من العوائل البحرينية التي لا تعيش استقرارا أسريا بسبب الضغط المعيشي الذي تضاعف مع التضخم غير المسبوق في الغلاء الفاحش الذي طال كل ما قد يتصوره أحد، حتى في المواد الاستهلاكية الحيوية، وهناك التحدي الكبير الذي يتمثل في تقلص الطبقة الوسطى، وكل ذلك يدعو المجتمع للضغط في اتجاه إعادة توزيع الثروة، والخطوة الأولى هي تحديد الموارد والمداخيل وتحديد آليات عصرية لتوزيع الثروة تضمن الرقابة البرلمانية الفعالة، وكذلك تحديد المخزون المتوافر من الأراضي، وتوزيعها وفق نظام عادل، وهذه المعالجات المهمة ضرورية، بمعنى أن عدم تحقيقها سيجعل من مشروعنا الإصلاحي قاصرا عن تلمس احتياجات الطبقات الشعبية العريضة.

عيد الوطن هو عيد المراجعات، وعيد تذكر الأيام الجميلة التي قضيناها معا في فترة الميثاق، وآمالنا أن يعود ذلك الربيع مجددا... يجب أن نسأل أنفسنا دائما ماذا قدمنا للوطن، علينا أن نفي الوطن حقه، وفي هذا العيد نقول هنيئا لقائد الوطن الذي غيّر وجه البحرين، وهنيئا لكل الشهداء الذين كانوا قرابين كبيرة في القافلة حتى وصلنا بنضالهم إلى اليوم... اليوم يجب أن ننتصر على الألم ونعيش الأمل... رائدنا الحب... وهل الوطن إلا الحب؟

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 1927 - السبت 15 ديسمبر 2007م الموافق 05 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً