استغلال الصحافيين لتلميع صورة من يحتاج إلى تلميع، ليس مرضا في الدول المتخلفة فحسب، بل هو أسلوبٌ يلجأ إليه الرؤساء الفاشلون حتى في الدول الديمقراطية الكبرى.
في يوم الأربعاء الماضي، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية خبرا من واشنطن، عن قرار الرئيس جورج بوش تعيين الصحافي المحافظ جيمس غلاسمان، بهدف «تحسين الصورة المتدهورة للولايات المتحدة عبر العالم» كما جاء في بيانٍ للبيت الأبيض.
بوش أعلن نيته تعيين غلاسمان «مساعدا لوزيرة الخارجية لشئون الدبلوماسية العامّة بمستوى سفير»، وهو ما يحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ. وسوف يحل محل مساعدة وزيرة الخارجية كارن هيوز، التي فشلت في تحسين صورة الولايات المتحدة في العالم، ولاسيما الدول الإسلامية، ما دفعها إلى ترك منصبها قبل نهاية العام الجاري لتكرّس وقتها لعائلتها.
الولايات المتحدة تجد نفسها اليوم في مأزق، بسبب الحرب التي أعلنتها ضد الإرهاب، بدءا بأفغانستان، ليقف بوش منتشيا وهو في ذروة الاندفاع: «إنها حربٌ مفتوحةٌ بلا نهاية». حينها كتب أحد كتاب «الاندبندنت» معلقا إنها «حربٌ تبحث فيها أميركا عن إبرةٍ في كومة من القش».
الجولة الثانية كانت ضد بلدٍ أنهكه الحصار طوال 12 عاما، وأنهكه الاستبداد الداخلي الذي استطال 30 عاما، الذي زرع أرض العراق بالمقابر الجماعية، وكان العراقيون اليائسون ينتظرون حينها ساعة الخلاص حتى على أيدي أكبر الشياطين. والإطاحة السريعة بالحكم الديكتاتوري دفع بوش للإعلان متباهيا مرة أخرى بانتهاء الحرب، بينما ظلّت العراق تحترق وتتخبط في الدماء على أبواب حرب أهلية.
الطاقم الذي أدار «حرب الإرهاب» انفرط عقده، وتفرّقت حباته، من رامسفيلد وولفويتز وكولن باول وجون بولتون... حتى مستشارة بوش لشئون مكافحة «الإرهاب» والأمن القومي فرانسيس تاونسند استقالت، ولم يبق معه إلاّ تشيني ورايس. ولأنها إدارةٌ آذنت فترة مجدها بالمغيب، وقف وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في العراق ليعلن أنهم بعيدون عن النصر.
إذا... صورةٌ كالحةٌ تحتاج إلى تلميع، وأفضل من يقوم بهذه المهمة الصحافيون «اللزجون» من امثال غلاسمان، الذي رسمت له الناطقة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو دوره المطلوب «ليساهم بتفسير سياستنا وقيمنا الأساسية بشكل فعال عبر العالم»!
غلاسمان طبعا ليس طرطورا، ولا من باعة المقالات بالكيلو، وإنّما هو ناشر دوريتي «نيو ريبابليك» و»ذي أتلنتيك مونثلي»، وله كتابان عن المال. كما انه «رئيس تحرير» مجلة «ذي أميركان»، الصادرة عن معهد «اميركان انتربرايز» للدراسات. وعمل كاتب افتتاحيات في الـ «واشنطن بوست» من 1993 إلى 2004، وعمل في العام 2003 في مجموعة استشارية مكلفة من قبل الكونغرس بالشئون الدبلوماسية مع العالم العربي والإسلامي.
غلاسمان أيضا خريج جامعة هارفرد، ويرأس منذ يونيو/حزيران 2007 الوكالة الفيدرالية المكلفة بالبرامج الإذاعية التي تبثها الحكومة الأميركية. وسوف تشمل مهماته الجديدة «صوت أميركا» الذي يبث بـ 45 لغة وإذاعة «أوروبا الحرة» وقناة «الحرّة».
سوقٌ حرةٌ، وعرض وطلب، وهناك من يشكو من صورته المشوّهة، وهناك من هو مستعدٌ للتلميع، الذي يحتاج إلى فن... وشطارة ومهارة حتى عند الأميركان.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1927 - السبت 15 ديسمبر 2007م الموافق 05 ذي الحجة 1428هـ