لا تبدو الكتابة في العيد الوطني مهمة سهلة، وخلاف أن يكون مقال العيد الوطني مطرزا بالوطنية ومشاعر الانتماء والولاء الحقيقي يستطيع هذا المقال أيضا أن يكون مؤثثا بالمصالح الشخصية على يد من امتهن الكتابة بالطلب أو الكتابة في سبيل صناعة الأرصدة لدى أية جهة من الجهات التي تملك القدرة على اختصار الزمن.

يستطيع أي صحافي كاتب عمود يومي أن يختصر من سنوات عمره الكثير، يستطيع أن لا يقي نفسه من حمى الدخول في قائمة المنتظرين لبيت إسكاني صغير، وأن التعرض المهين لمطالبات شركات التحصيل لقروض لم يستطع الوفاء بها، أو بطاقات ائتمانية فاض بها سيل السحوبات وأغرقه.

ما يحمله الوطن من أوقات تتقاسمها أحاسيس الحب والوجع هو أكبر من أن يقال، أو أن يكون معروضا لـ “الوزن”، الوطن الذي أسسه ودافع عنه وارتضاه البحرينيون قيادة وشعبا لا يجوز أن يتحول في مثل هذه اليوم إلى مجرد يوم من أيام المكافآت الكبرى، وهنا لا يكون الصحافي أو كاتب العمود المسئول الوحيد عن هذه الإهانة للوطن، بقدر ما تكون ذهنية الانتظار لمثل هذه المقالات متورطة في ذلك.

الولاء بأجر، هو ولاء للأجر لا ولاء للتراب والدولة، ولاء لا يصمد أمام التحديات الكبيرة ولا يبقى ما خلا أن يبقى الأجر مفتوحا ومشرعا. الولاء الذي تصنعه قصيدة شعر أو مقالة صحافية تسرقه الريح إن عصفت به أو إن جار الزمان. الولاء الذي يكتبه صحافي في مقالة والذي يشك في الولاءات الأخرى هو ولاء مغرور أناني، لا يريد هذا الولاء أن يحتفظ بحق الوطنية والولاء فحسب، بل يطمع في أن يكون هو بعينه الولاء المحور والمركز قبالة آخرين لا ولاء لهم، الآخرون هنا هم “الهامش” والطارئ على الدولة، السؤال: أي ولاء ذلك الذي يريد أن يقطع أوصال المجتمع؟، أن يجزئه؟، أن يبتر منه الجزء الأكبر من لحمته الواحدة؟. هذا الولاء، مريض ويحتاج لتصحيحه وتصحيح ذهنية من يثق به أو يصدقه.

تشهد للبحرينيين - شاء من شاء وأبى ذلك من أبى - وولاءاتهم لحمد ولهذه الأرض سنوات الوجع، سنوات التسعين بأحزانها وتضحياتها، تشهد لهم شهادات أبائهم لدى مندوب لجنة تقصي الحقائق إذ أعلنوها دولة مستقلة عربية بحكامها، وتشهد لهم قباب شهدائهم الذين قدموا أرواحهم في سبيل أن تكون البحرين، هي البحرين التي نعرفها اليوم، مملكة دستورية حرة، ذات قيادة سياسية حرة، تحكم في شعب حر، مكونه الرئيس إنسان حر.