العدد 1927 - السبت 15 ديسمبر 2007م الموافق 05 ذي الحجة 1428هـ

«الشرق الأوسط» في طور التأجيل أو التجميد

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أربع نقاط مهمة تمس أمن «الشرق الأوسط» واستقراره السياسي دخلت الأسبوع الماضي طور التأجيل أو التجميد أو التعطيل. الأولى كانت تأجيل اللقاء «الفني» بين الولايات المتحدة وإيران في بغداد لمعالجة تقنيات الملف العراقي. الثانية امتناع موسكو عن تحديد موعد لمؤتمر «الشرق الأوسط» إلى حين إحراز تقدم في تنفيذ توصيات «مؤتمر أنابوليس». الثالثة فشل اللقاء الفلسطيني - الإسرائيلي في تحقيق خطوة إلى الأمام بسبب رفض حكومة تل أبيب التراجع عن قرارها الأخير الذي أعلنت فيه استئناف الاستيطان ومواصلة بناء الوحدات السكنية في القدس. والرابعة فشل القوى اللبنانية في التفاهم على صيغة دستورية تنقذ الجمهورية من «الفراغ الهادئ» الذي بدأ مفعوله بعد شغور مقعد الرئاسة الأولى بمغادرة إميل لحود قصر بعبدا في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

النقاط الأربع مترابطة في عناصرها المحلية والإقليمية والدولية. وهي أيضا تتأثر ببعضها سلبا وإيجابا. ولعل هذا الأمر دفع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى التحذير من أن الاثنين يعتبر الفرصة الأخيرة لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية. فالتحذير طرح علامات استفهام بشأن التدابير التي يمكن اتخاذها في حال فشلت الكتل النيابية في التوجه إلى عقد جلسة تعدل فيها الدستور وتنتخب قائد الجيش ميشال سليمان.

كلام الرئيس الفرنسي جاء في ضوء فشل الوساطة التي قامت بها باريس مع الجانب السوري من خلال الاتصالات الهاتفية أو اللقاءات المباشرة أو الاجتماعات الموسعة التي أجراها وزير الخارجية برنار كوشنير مع مختلف الأطراف المعنية في بيروت.

الفشل الفرنسي الذي ظهر على الشاشة السياسية يمكن تحميل مسئوليته لأكثر من جهة دولية وإقليمية ومحلية. فهناك كلام عن دور أميركي في تعطيل المبادرة الفرنسية. وهناك اتهامات سرية تلقي مسئولية الفشل على الطرفين السوري والإيراني. وهناك تحليلات تربط تعطيل المبادرة الفرنسية بمواقف محلية تمثلت في عناد الجنرال ميشال عون وتمسكه بسلة من الشروط قبل التوجه إلى البرلمان. وهناك من يرى أن الفشل يعود إلى جملة عوامل تتقاطع فيها مجموعة خيوط في اعتبار أن الساحة اللبنانية مكشوفة ومفتوحة على تجاذبات تتجاوز مسألة الرئاسة وجغرافية بلاد الأرز. الرأي الأخير هو الأقوى لكون كل هذه التقاطعات اجتمعت لتعيد تشكيل معطيات لا تنسجم بالضرورة مع تلك التوافقات الشكلية التي سبقت عقد «مؤتمر أنابوليس». فالمؤتمر الذي دعت إليه واشنطن انتهى مفعوله السياسي بعد أن تعرض إلى خلخلة ناجمة أصلا عن عدم جاهزية تل أبيب للتراجع عن الاحتلال وعدم استعداد الولايات المتحدة للضغط على حكومة إيهود أولمرت لتقديم تنازلات تحت سقف القرارات الدولية تضمن في المستقبل قيام دولة فلسطينية «قابلة للحياة».

تجميد الملف الفلسطيني وجه أشارات قوية إلى جهات عربية وإقليمية ودولية وأعاد التوتر إلى قنوات الاتصال بين «فتح» و «حماس» بعد أن كادت الوساطات تنجح في احتواء الانقسام الذي شطر السلطة إلى كتلتين. وعودة الملف الفلسطيني إلى غرفة الانتظار يتوقع أن تترك آثارها السلبية وتطرح علامات تعجب بشأن مدى جدية «مؤتمر باريس» الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي «الدول المانحة» إلى جمع المساعدات لقيام «دولة فلسطينية». فإذا كانت تل أبيب بدعم من واشنطن ترفض أعطاء فرصة سياسية للرئيس محمود عباس تسمح له بالإعلان عن مكاسب ميدانية على الأرض فكيف يمكن أن ينجح مؤتمر الدول المانحة في جمع مال لسلطة تتعرض للزعزعة وربما التفكك والانهيار؟ الاحتمال المرجح أن يكون مؤتمر «الدول المانحة» في باريس نسخة اقتصادية فاشلة تكرر فشل النسخة السياسية في أنابوليس.

متغيرات جديدة

كل هذه المعطيات الممتدة من بغداد إلى القدس وموسكو وباريس وصولا إلى بيروت تكشف عن وجود متغيرات دخلت حديثا على خطوط الاتصالات الدولية والإقليمية. فالمنطقة مقبلة على تطورات قد تعدل الكثير من زوايا الصورة وتحالفات القوى الإقليمية في ظل عودة التنافس الفرنسي - الأميركي على إدارة الملفات الساخنة وظهور أولويات جديدة في التعامل مع قضايا «الشرق الأوسط».

تحذير الرئيس ساركوزي من أن غدا (الاثنين) يشكل فرصة أخيرة لانتخاب رئيس للجمهورية طرح على القوى اللبنانية ذاك السؤال: ماذا بعد الاثنين في حال مر موعد الجلسة التاسعة من دون نتيجة عملية؟

هناك معلومات غير مؤكدة تشير إلى احتمال عودة فرنسا إلى سياسة التشدد التي كان يعتمدها الرئيس السابق جاك شيراك مع دمشق. وهذه العودة تطرح احتمالات كثيرة منها إلى أي حد تستطيع باريس التأثير على المعادلة الداخلية اللبنانية في حال قررت التحرك من دون تنسيق مع واشنطن. وأيضا إلى أي حد يمكن أن تتجاوب الولايات المتحدة مع رغبات فرنسا في وقت ترى إدارة جورج بوش أن الأولوية لديها لاتزال معالجة ملف العراق. ومعالجة ملف العراق تقتضي التهاون أو التعاون مع طهران في احتواء «مشروع التخصيب» بعد صدور تقرير المخابرات الأميركية عن توقف جانبه العسكري عن العمل منذ العام 2003.

هذا جانب من المأزق الفرنسي. الجانب الآخر يتصل بالموقف الإسرائيلي من الملفين اللبناني والفلسطيني. فتل أبيب تبدو أقرب إلى تشغيل المسار السوري وتغليبه على المسار الفلسطيني وذلك لحسابات ميدانية منها أن حكومة أولمرت لا تريد مغادرة الضفة الغربية بينما دمشق لا تطالبها بالانسحاب الآن من الجولان. وبين المسارين تميل مصلحة تل أبيب إلى ترجيح المسار السوري الذي لا يكلفها الكثير ويمكن تأجيل بحثه سنوات إضافية. وهذا ما فهمته موسكو الأمر الذي دفعها إلى الإعلان عن تأجيل المؤتمر الذي دعت إليه إلى أمد غير معروف.

ترجيح المسار السوري على الفلسطيني ستكون له انعكاسات على ترتيب الأولويات في الاتصالات الإقليمية وسيؤدي أيضا إلى خلط الأوراق في لبنان فتصبح مسألة أمن «إسرائيل» تحتل الموقع الأول مقابل تراجع انتخاب الرئيس إلى الموقع الثاني. ومن يضمن «أمن إسرائيل» يحتل موقع اللاعب الأول في ترجيح اختيار الرئيس الجديد للجمهورية اللبنانية.

الطرقات مقفلة أمام فرنسا وتحركاتها الإقليمية إذا لم تتعاون معها الولايات المتحدة في ترتيب الأولويات. والتحذير الذي أطلقه الرئيس ساركوزي لا قيمة ميدانية له إذا كانت واشنطن تتحرك إقليميا في نطاق أوسع جغرافيا من فرنسا. وحين تكون الأولوية الأميركية الآن هي للتفاوض السياسي مع إيران بهدف معالجة تقنيات الملف العراقي. وحين تكون الأولوية الإسرائيلية الآن هي تغليب المسار السوري بقصد التهرب من الملف الفلسطيني تصبح مسألة الأمن (ضبط الحدود اللبنانية) تلعب الدور الأهم في اختيار الرئيس المقبل. وبين أمن أميركا في العراق وأمن «إسرائيل» في فلسطين ولبنان تصبح فرنسا في موقع صعب لا يسمح لها بترجمة تحذيرها من أقوال إلى أفعال... وخصوصا أن ساركوزي يعطي أهمية خاصة لموقع «إسرائيل» وأمنها في جدول أعماله وأولويات مشروعه.

المسألة إذا معقدة نظرا لترابط النقاط الأربع وتأثيراتها المتبادلة على الاتصالات الدولية والإقليمية التي دخلت الآن طور التأجيل أو التجميد أو التعطيل. وهذا يعني بكل بساطة أن يوم الاثنين (غدا) سيمر من دون انتخاب رئيس ولن يستطيع الرئيس الفرنسي ترجمة تحذيره.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1927 - السبت 15 ديسمبر 2007م الموافق 05 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً