على الرغم من أن «الشكوى لغير الله مذلة»، إلا أن ثقافة «الشكوى» منتشرة بين البحرينيين بكثرة. الكل يشتكي في كل مكان وفي كل موقع، مهما علا مقامه أو ارتفع شأنه. ولسنا نريد انتقاد الشاكين، لكننا نريد تحليل تلك الثقافة الاجتماعية التي تجبر الجميع على الشكوى، التي تتجه في أحيان كثيرة لغير محلها.
كثيرا ما تكون الصحف باعتبارها «مرآة المجتمع» - كما يقول الكليشيه البدائي الذي تعودنا عليه حتى فقد معناه مع الوقت- قبلة للشاكين ومفتعلي الشكاوى أحيانا. وعلى الرغم من أن الأبواب والقلوب مفتوحة للاستماع وعرض الشكاوى على صفحات تلك الصحف، غير أن البحث والتقصي خلف كل شاك واستقراء مشكلته، يوصلك إجمالا إلى نتيجة واحدة، هي أن الناس في البحرين لا تتجه للقنوات «الرسمية» الاعتيادية والطبيعية لتقديم شكواها، وتفضل الاتجاه إلى وسيلة «أكثر حيادية» و»أكثر إثارة» لتعرض من خلالها شكواها، وبهذا تكون الصحف الوسيلة المثالية لكل ذلك.
والأمثلة في هذا الإطار لا حصر لها، فمن موسم انقطاعات الكهرباء الذي يتصل فيه الناس بالصحيفة قبل أن يتصلوا بمركز شكاوى الكهرباء، إلى المرضى المترددين على مستشفى السلمانية والمراكز الصحية والذين لا يعرفون ربما أن هناك شيئا اسمه مكتب شكاوى المرضى بوزارة الصحة، ليتجهوا مباشرة بعد تعرضهم لأي مشكلة إلى أقرب صحيفة. وصولا إلى العاطلين وطالبي الوحدات السكنية وأي من المتعاملين مع الوزارات الخدمية.
لا نسعى هنا لنقد تصرف المواطنين، بقدر ما نسعى إلى فهمه. فالمواطن باختصار إما أنه وجد أن الصحيفة قد تنفعه في شكواه أكثر من أي جهة رسمية، وإما أن يكون غير مؤمن بالنظام أو جاهلا به، بحيث لا يعرف أن هناك العديد من الخطوات التي يمكن أن يتخذها قبل أن يتوجه إلى الصحيفة لعرض شكواه. وإما أن يكون هدفه الرئيسي هو «التنفيس» بعد أن أغلقت في وجهه الأبواب ولم يجد لمعضلته أي حل، وهو الاحتمال الأرجح في كثير من الحالات.
المواطن في البحرين متعب ويائس، وكل تصرفاته تدل على ذلك، وما الموضوع الذي نحن بصدده هنا - امتهانه للشكوى- غير علامة بارزة على ذلك.
المواطن يائس، ويأسه نابع من كل ما يراه، يائس من استجابة المسئولين، ويائس من قدرة الوزارات على حل مشكلته، ويائس أصلا من أن يجد حلا لمشكلته، ويأسه ذاك يترجم في تصرفاته التي تجعله- برغبته أو رغما عنه- يريد أن يعرض الموضوع للجميع، يريد أن «يفضح» الجهة التي قصّرت في حقه، يريد أن يستمع إلى شكواه من هم في الأعلى مباشرة. يريده لأنه يئس من النظام ومن الروتين ومن تقديم الشكاوى الرسمية. يريد ذلك كله ولسان حاله يقول» ضاقت بي السبل فإلى من أشتكي».
ومعه حق في كل ذلك، فشكواه ثقيلة أحيانا، ومعقدة كثيرا، ولا حل لها غالبا، وهي شكوى من اختصاص جهة ما في وزارة ما فعلا، لكنه متعب ويائس، يرغب في التنفيس... حتى لا ينفجر يوما، من تلك الشكاوى التي لا يسمعها أحد.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1926 - الجمعة 14 ديسمبر 2007م الموافق 04 ذي الحجة 1428هـ