لقد بات معروفا أن الفساد الواسع النطاق الذي يتم على يد المسئولين الرفيعي المستوى، أو الفساد على أعلى المستويات، يشكل أكبر تهديد للديمقراطية وحكم القانون في البلدان النامية. مثل هذا الفساد لا يقف عند حدود تقويض المساءلة المالية، بل يمتد كي يعوق تدفق الاستثمارات الأجنبية، ويعوق الأداء الاقتصادي، ويقلل الثقة بالنظامين القانوني والقضائي.
لقد وصل تفشي الفساد في بعض المجتمعات إلى درجة أصبح الفساد فيها يعتبر ظاهرة طبيعية وأنها باتت متفشية لدرجة أن معالجتها أصبحت ضربا من الخيال، وتحولت إلى تحد لا يمكن التغلب عليه. غير أن المجتمع الدولي شهد، خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، تغيرا ملحوظا وإيجابيا في الكفاح العالمي ضد الفساد. قبل هذا التغيير الهائل، لم تكن البلدان راغبة حتى في البحث بأمر الفساد، وكانت تعتبره مشكلة داخلية ليس إلا. أما اليوم فهناك عدد كبير من التجمعات والآليات المتعددة الأطراف التي أنشئت خصيصا لمعالجة مشكلة الفساد. قبل 15 سنة، كانت الدول، التي تعمل بنظام الضرائب، تسمح باقتطاع ضريبي للرشاوى المدفوعة للرسميين الأجانب. أما اليوم، فيعمل عدد متزايد من الدول معا لمقاضاة هذه الرشاوى. والحقيقة، أن بعض البلدان كانت تقول، عن خطأ، قبل 15 سنة، إن الفساد كان في الواقع أمرا مقبولا في بعض الأجواء الثقافية، أو لهدف تسهيل الأعمال في البلدان النامية. أما اليوم فليس هناك من يجرؤ اليوم على قول ذلك.
ومنذ العام 1996، خدمت الاتفاقات الدولية لمكافحة الفساد في رفع الالتزامات السياسية لمكافحته، وعيّنت المعايير والممارسات الدولية الأساسية لمعالجة مختلف ظواهر الفساد. كان يُعتقد في ما مضى، أن مكافحة الفساد موضوع يخص كل حكومة بمفردها. لكن أصبح من المُتفق عليه عالميا الآن، جزئيا بفضل اتفاقيات مكافحة الفساد، التي عززتها البيانات المتنامية حول الإرادة السياسة، أن بوسع المجتمع الدولي استكمال ومساعدة جهود الحكومات في محاربة الفساد، وأن للمجتمع الدولي مصلحة حقيقية في رؤية الفساد يُعالج محليا كما على المستوى العالمي. وتغطي مثل هذه الاتفاقات جميع مجالات العمل المذكورة أعلاه، وتُقيّم، لأول مرة، إطار عمل للتعاون في حالات استرجاع الأموال. وهي أيضا في طريقها لأن تكون أول اتفاقية دولية حقيقية لمكافحة الفساد تُطبق عالميا.
ويمثل ميثاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC) تطورا بارزا في هيكلية الاتفاقات الدولية لمكافحة الفساد. فهو يأخذ الموضوعات التي قامت بتغطيتها المواثيق الإقليمية والدولية السابقة، وغيرها أكثر، ويجمعها في مجموعة واحدة متكاملة من الالتزامات. إنها أول اتفاق دولي يجتذب أكثر من 40 دولة، مع أكثر من 80 موقّعا لغاية هذا التاريخ، وستصبح، على الأرجح، أول أداة دولية قابلة للتطبيق عالميا لا تتعاطى بغير موضوع الفساد. المبادئ التي تم اختبارها لمكافحة الفساد، بما في ذلك أهمية التعاون الدولي، أصبحت الآن مكرّسة كمبادئ عالمية التي يمكن اعتبارها صادرة عن مجموعة من البلدان أو المناطق ذات الميول والتفكير المتشابه.
وعلى المستوى العربي كشف استطلاع حديث للرأي أجراه مركز المعلومات بمجلس الوزراء المصري أن 72.3 في المئة من المصريين المستطلع أرائهم يرون أن الفساد منتشر بصورة تثير الانتباه في البلاد لكنه كشف فى الوقت نفسه عن تزايد ثقة المواطنين في الحكومة حال اتخاذها إجراءات حاسمة ضد الفساد وذلك بنسبة 79في المئة من المستطلع أرائهم فيما يعكس ارتفاع مستوى أدرك ظاهرة الفساد بين المواطنين.
وأوضح الاستطلاع الذي أجرى تحت عنوان «الفساد في مصر بين آليات الرصد واستراتيجيات المواجهة «أن 43.55 في المئة من المبحوثين يرون أن الفساد منتشر إلى حد ما تليها نسبة المبحوثين الذين يرون أن الفساد منتشر جدا بنسبة 28.8 في المئة أي أن نحو 72.3 في المئة يرون أن الفساد منتشر بصورة تثير الانتباه.
وعن مظاهر الفساد في تقديم الرشوة والهدايا والإكراميات أشار 75.2 في المئة من المبحوثين أنه موجود بالفعل في حين أشار 32.3في المئة أنه منتشر جدا في الوقت الذي أكد فيه 28.3في المئة أنه تعرض له بالفعل هو أو أحد أفراد أسرته، حسبما ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط.
ومن ناحية مجاملة الأقارب والاعتماد على المعارف لتسهيل الإجراءات الحكومية أكد 74.9 في المئة من المستطلع أرائهم أنه موجود بالفعل في حين أشار 37.1 في المئة أنه منتشر جدا في الوقت الذي أكد فيه 30.3 في المئة أنه تعرض له هو أو أحد أفراد أسرته.
وعن تصرف الموظف العام في المال العام لمصلحته أشار 65في المئة من المبحوثين إلى أن هذا النموذج موجود بالفعل في الوقت الذي أشار فيه 21.3 في المئة أنه منتشر جدا، في حين أكد 27.6في المئة من المبحوثين أنهم تعرضوا له هم أو أحد أفراد أسرهم .
وعن سرقة المال العام أشار40.5في المئة من المبحوثين إلى وجود هذا النموذج بالفعل في حين أشار6.4 في المئة الى أنه منتشر جدا وأكد 4.3 في المئة من المبحوثين أنهم تعرضوا له هم أو أحد أفراد أسرهم.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1926 - الجمعة 14 ديسمبر 2007م الموافق 04 ذي الحجة 1428هـ