حُكِم في المملكة العربية السعودية حديثا على امرأة شابة من بلدة القطيف اغتصبها سبعة رجال في السجن بتسعين جلدة، زيدت إلى مئتي جلدة فيما بعد نتيجة لشجب المرأة هذا الحكم عبر وسائل الإعلام. وعندما وصفت الوزيرة الكندية لشئون المرأة هوزييه فيرنر هذا العمل بأنه «بربري» فهي إنما كانت تُعرِب عن شعور معظم الناس حيال هذا الوضع.
وقد مُنِع محامي الضحية عبدالرحمن اللاحم - وهو من أبرز المحامين في مجال حقوق الإنسان في المملكة - من حضور جلسات المحكمة وجرى سحب ترخيصه؛ ما حرم المرأة من أي دفاع قانوني. كما صرّحت العضوة المؤسسة لجمعية الدفاع عن حقوق المرأة التي تشكّلت حديثا في السعودية فوزية العيوني معلّقة: «يشكل منع المحامي من تمثيل الضحية في المملكة عملا مماثلا لجريمة الاغتصاب نفسها».
القضية أثارت ردة فعل قوية، وسيقوم القضاء السعودي - بحسب تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل - بإعادة النظر فيها. وعلى رغم أنّ ذلك يشكّل نتيجة إيجابية ترفع الأمل في تغيير في الحكم، فإنّ ما ليس إيجابيا هو قناعته بأنّ «هذه القضية يجرى استخدامها ضد الحكومة والشعب في السعودية».
يقوم نظامٌ من المحاكم الدينية بإدارة العدالة في المملكة، ويتم تعيين القضاة بتنصيب من مجلس القضاء الأعلى. ويملك القضاة والمحكمة مطلق الصلاحية في إدارة دفة العدالة، إلاّ فيما يتعلق بقضايا إذ تحدد الشريعة العقاب، كما هي الحال في الجرائم الكبرى وعقابها الإعدام.
يجب النظر إلى قضية القطيف في المضمون الأوسع لدور المرأة وحقوقها في السعودية، إذ يتسم تفسير القرآن الكريم بصرامة أكثر من معظم الدول العربية الأخرى، وخصوصا فيما يتعلق بحقوق المرأة، وينتج الوضع القانوني للمرأة من خليط من الظروف القبلية والاجتماعية والتاريخية.
وقد ركزت هذه القضية وغيرها الانتباه على النظام القضائي الذي يتأثر برجال دين يملكون تفسيرا محدودا للقانون الإسلامي. نتيجة لذلك يبقى قانون الأحوال الذاتية غير مبوّب وتصدر الأحكام أحيانا بطريقة عشوائية، إذ لا يتم الاعتراف بمفهوم السابقة القانونية.
ويعكس النظام القضائي النزاع الواسع بين الحداثة والقانون والعادات القبلية السائدة. فالإسلام يمارَس بطريقة مختلفة عمّا هي الحال في الدول الأخرى. والواقع أنّ هذا التفسير المحدود للإسلام ينتقده الكثيرون ممن يؤمنون بأنّ القرآن الكريم واضح جدا من حيث حقوق المرأة، بل إنّ دعاة حقوق المرأة، فالقرآن الكريم يحتوي على آيات عدة تساوي بين الرجل والمرأة من حيث الحقوق والمسئوليات. وهم يشيرون بالذات إلى آخر خطبة ألقاها النبي محمد (ص) طلب فيها من المسلمين معاملة نسائهم بالحسنى وبلطف؛ لأنهنّ شريكات ومعاونات ملتزمات.
وعلى رغم اتخاذ بعض الخطوات لتحسين وضع المرأة في المملكة، وإنشاء محاكم خاصة للتعامل مع حالات العنف المنزلي وتبني قانون عمل جديد وإيجاد هيئة لحقوق الإنسان، فإنّ القضية المطروحة تثبت أنّ العدالة حيال المرأة مازالت أمامها مسافة طويلة.
صحيح أنّ المرأة حققت الكثير وقطعت خطوات بعيدة في المملكة، فقد ازدادت مشاركتها في النظامين التجاري والتعليمي، كما أنّها مصممة على الحصول على المزيد من الحقوق السياسية. على رغم ذلك، وعلى رغم أنّ المرأة تشكّل 55 في المئة من خريجي الجامعات فإنها تشكّل أقل من 5 في المئة من القوى العاملة.
توفر قضية القطيف للسعوديين فرصة نادرة ليس فقط لإصلاح الوضع، وإنما كذلك للتحرك قدما في إصلاح النظام العدلي حتى لا يقع ظلم وإجحاف كهذا مرة أخرى في المستقبل، وهو مخالف لروح الإسلام ومعتقداته.
* مراسل أجنبي لـ «ميدل إيست تايمز إنترناشيونال» في أستراليا، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1925 - الخميس 13 ديسمبر 2007م الموافق 03 ذي الحجة 1428هـ