العدد 1925 - الخميس 13 ديسمبر 2007م الموافق 03 ذي الحجة 1428هـ

ولاية الفقيه: الأصل عدم ولاية أحد على أحد (4)

العصمة الثابتة تضمن للأفراد حقوقهم وللجماعات خصائصها وتمتنع مع هذه العصمة مخالفة الاحكام التي وضعها الله تعالى وفي أساسها الحرية للبشر والعدالة في ما بينهم كما عرفت، فهم في نظر الشريعة سواسية كأسنان المشط والنبي المرسل من عند الله يحقق هذه المساواة ويحافظ على هذه التعددية في حياة البشر على قاعدة الحديث القدسي:(الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله)، وإنهم كما قال الإمام علي (صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)، و(أن القوي عنده ضعيف حتى يأخذ منه الحق وأن الضعيف عنده قوي حتى يأخذ له الحق)، فهو يعم على قاعدة أن هذه الولاية أن ثبتت له فهي ولاية حفظ ورعاية وليست ولاية استيلاء واستبداد وتسلط وغلبة واستعباد.

- وأما إذا لم يكن الوالي معصوما من الخطأ والذنب فكيف يمكن أن يعطي مثل هذه الولاية الشاملة مع أنه قد يخطىء في أحكامه وقد ينحاز في مواقفه وقد يحمل الناس على آرائه وأفكاره فيجعل من قومه خير الأقوام ومن جماعته أفضل الجماعات وحاشيته أصدق الحواشي ويصنفهم أصنافا شتى ما انزل الله بها من سلطان ولا قام على صدقها من برهان لأنه من البشر الذين لا يمتنع في حقهم بحسب العادة صدور الاخطاء منهم والخطايا.

ولذلك وقع الكلام في إمكان إعطاء هذه الولاية وثبوتها لغير الأنبياء والمعصومين من البشر الخطائين وإن كانوا من العلماء الوارثين.

والسبب في ذلك أن الطاعة الثابتة للانبياء لها علاقة بثبوت العصمة لهم فلا تثبت نفسها للفقهاء غير المعصومين. وهي أعني الولاية الشاملة لما كانت العصمة من أسباب ثبوتها فيجب ان تنتفي بانتفائها لأنها غير ثابتة للفقهاء، وعلى الأقل يحتمل أن تكون العصمة ذات أثر في ثبوت الولاية فلا يعلم بثبوتها عند فقدان العصمة واذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال كما يقول العلماء.

وقد اثيرت قديما مسألة الولاية والطاعة الإلهية لغير رسول الله بعد وفاته لأن الفهم السائد كان يقوم على ان هذا الحق هو من مختصات النبي لأنه معصوم ومرسل من عند الله فلا يثبت هذا الحق لمن ليس نبيا ولا معصوما.

وظهرت الافكار الرافضة لدعوة ثبوت هذه الولاية لمن يأتي بعد رسول الله والقائلة باختصاصها به وعدم انتقالها إلى غير المعصوم وقد عبر الشاعر عن هذه الاشكالية في تلك المرحلة بقوله:

أطعنا رسول الله ما كان بيننا

فيا لعباد الله ما لأبي بكر!

أيورثنا بكرا اذا مات بعده

وتلك لعمر الله قاصمة الظهر!

وتعرض الفقهاء وعلماء الكلام لهذه المسألة أيضا وجمهورهم بل معظمهم يذهب إلى عدم انتقال تلك الولاية العامة والطاعة من المعصوم إلى غيره لأنها من خصائصه فما ثبت له ليس بالضرورة أن يثبت لغيره الفاقد لتلك الميزات والخصائص ولذلك ذكروا أن الإمامة لا تكون لمن يصدر منه الظلم كما في قول الله تعالى لابرهيم عليه السلام عندما سأل الله أن يجعل من ذريته أئمة فقال الله تعالى له: «لا ينال عهدي الظالمين»(البقرة:124).

يتبع

* مفتي صور وجبل عامل/ بيروت

العدد 1925 - الخميس 13 ديسمبر 2007م الموافق 03 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً