ليست صورة الأم التي تلطم صدرها أو رأسها وهي تنهار أمام جثة زوجها أو ابنها الشاب في العراق الجريح هي وحدها الصورة التي تبكي المشاهد! آلاف الصور، إن سنحت الفرصة لمشاهدتها في العراق، وفي فلسطين، وفي الخليج، وفي البحرين، تجعلنا نبكي، وسنبكي مرارا في المقبل من السنين!
هكذا، تصبح الصورة المأسوية في العراق، لسيدة سنية كانت أم شيعية، منطلقا لخلاف عقيم سيئ بغيض بين بعض الناس ها هنا في البحرين... فتشتعل من جديد الفتن التاريخية، ويستحضر البعض، الإسقاط المرئي والمسموع والملموس، حتى تنفجر الصدور غضبا، وتتسع مساحة الغضب على يد بعض الكتّاب الصحافيين الكبار في البلد - مع شديد الأسف - لينشروا ترهات نقلت من موقع إلكتروني هنا كتبه مجهول معتوه قليل العقل، أو لرسالة وردت من مجهول صغير العقل أيضا... وخذ ما تشاء من تصريحات صحافية ونقاشات في مجالس وفي أماكن عمل كلها تبحث عن نقطة إشفاء غليل طرف من الآخر.
المهم، أيها الأحبة، أن البحرين أصبحت بكل المقاييس مجتمعا للانتقامات! ولا أبالغ في ذلك أبدا! ولينظر من يريد التأكد كيف هي العلاقة تحت قبة البرلمان بين مختلف الكتل... فإذا كانت المؤسسة التشريعية تقدم إلينا صورة من حب الانتقام والتصادم الطائفي والافتخار بدحر الأعداء وإفشال «مخططاتهم» لتتصدر أخبار هزيمة “الوفاق”، أو فشل “المنبر”، أو سقوط «الأصالة»، أو تورط الكتلة الفلانية، الصفحات الأولى، ويصبح النشر “حبا وكرامة” حينما يكون كيديا وانتقاميا!
وليست الرغبة الانتقامية المتولدة في نفوس الكثيرين هي نتاج حالة مرضية فحسب، بل زد على ذلك أن البغض الطائفي الذي ينتشر كالنار في الهشيم داخل البيت البحريني، يدفع أيضا إلى أن يستمر السؤال عن شاب أو شابة في حال التقدم للعمل في المؤسسة العكسرية: «شيعي لو سني؟!»، وتتضخم حالة الانتقام تلك لتتم عملية تصفية حسابات في موقع عمل ما، حين يقبض الكرسي المسئول السني الجديد ليلعن “شكل” الشيعة، ويصبح السنة في مرمى «القذائف» حين يقبض الكرسي مسئول شيعي، وفي كلتا الحالتين، فإن الكل متهم بالطائفية، لكن النتيجة الجميلة ذات المذاق الطيب هي أن الكل... الكل يعلن أنه (ضد الطائفية)، وضد التمييز في التوظيف، وضد نفسه إذا سولت له العمل بغير الحق!
فمن أين يأتي الطائفيون يا ترى؟ أم أن البلد تسكنها الأرواح الشريرة التي لا ترى بالعين المجردة، وهي التي تثير الطائفية والمشكلات التي يعيشها الناس، فلا مجال لفكها إلا بتعويذة نائب ولي من أولياء الله الصالحين؟!
سنكون أحسن حاليا إن توقفنا عن الكذب على بعضنا بعضا... على الأقل، طلبا للثواب وحسن العاقبة.
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 1924 - الأربعاء 12 ديسمبر 2007م الموافق 02 ذي الحجة 1428هـ