لا يعبّر عن النكتة إلا أنْ تكون خفيفة وإما أنْ تكون سخيفة وباصجة وماصخة ووطبة؛ وهي بذلك ثقيلة. وليس خلاف ذلك ما يسمّى بـ«حوار المنامة».
مخطئ مَنْ يعتقد أنّ أمن الخليج العربي تحدده دوله، ومخطئ أو ساذج مَنْ يعتقد أنّ دول الخليج العربي صاحبة قرار سيادي كالأمن. فإذا كانت الأمم المتحدة تدار أميركيا من خلال ورقة الموقف التي يتم تمريرها على الدول الأعضاء - بحسب البروفيسور مندوب العراق الحر لدى الأمم المتحدة محمد الدوري- فما بالنا بمنظومة دول الخليج!
ما سيق في الفقرة السابقة هي مسلمة أوّلية ينبغي التسليم بها والبناء عليها فيما يتعلق بتحليل الحوارات أو جلسات اللسان الطويل التي تسمّى حوار المنامة. فحوار المنامة لا يعتمد على صياغة ركيكة للمسائل العالقة، بل هو مناسبة لمعرفة ما يمتلكه الخصوم من أدوات فكرية ووسائل دفاعية في شأن بعض الموضوعات الحسّاسة بالنسبة للسيدة الأولى في العالم (أميركا). والأهم من ذلك خرق جدار العيب والسنع والعادات والتقاليد والنخوة والشهامة العربية والإسلامية، فلا يوجد مقدّس لدى الأميركي إلاّ مصالحه وأمن الكيان الصهيوني.
في حوار المنامة الكل يعرض بضاعته، والكل يعتقد بأنه يبيع ولاءاته للأميركي، ولكن المحصلة بأنّ الأميركي لا يقدم طلبات للشراء من أحد! فهو إنما يتعامل مع الجميع على أساس أنه الأفضل؛ في صناعة البضائع وفيها تسويقها وفي بيعها، ثم في إعادة تصنيع وترميم التآلف من هذه البضائع. وفي النهاية فإنهم يبيعونا في الخليج الأسلحة فقط - دون التقنية التي صنعوها بها- ولن نستخدمها، فدول الخليج العربي تعمل على التخزين ثم التخزين ثم التخزين فقط!
إذا، حوار المنامة هو مجرد منتدى يدار مداورة (من قبل أميركا) ويقدم اطروحات، ليست بالضرورة تتسق ووجهة النظر الأميركية، إنما هي في نتائجها ومحصلتها النهائية خاضعة إلى ما تريد أميركا مناقشته وإثارته من موضوعات، قد تكون في جانب منها لتهيئة الرأي العام الخليجي للمخططات والسيناريوهات المحتملة (أميركيا) للمنطقة. والموقف النهائي الذي تصل إليه أميركا غير قابل للمفاوضة إلاّ من خلال السقف الأمريكي. ولذلك وجدنا إيران وسورية، على رغم وزنهما الإقليمي والدولي، خارج المنظومة الأمنية المطلوبة أميركيا.
الترتيبات والتصورات الأمنية للخليج لن يكتب لها الديمومة والاستمرارية؛ فضلا عن التنفيذ والفاعلية من دون أن تساهم إيران وسورية ومعهما مختلف الأطراف في إرساء القواعد الأمنية مستقبلا. هذا إن كنا نتحدث عن دول الخليج العربي كونها دولا ذات سيادة كاملة غير منقوصة، أما غير ذلك فإن هذه الدول لن تستطيع أن تقرر شيئا خلاف الإملاءات الأميركية، على الأخص إنها مرتبطة باتفاقات أمنية ودفاع مشترك لها وقع سياسي ودولي يفوق بكثير زيارة المجاملة التي قام بها الرئيس الإيراني نجاد، أو تصريح عروبي وإسلامي على استحياء فيما يتعلق بفلسطين والعراق!
أي مؤتمر أو جلسة حوار (مستقبلا) على منوال حوار المنامة لن يكون أكثر من فرصة لعرض مسرحي أميركي يقدم أجندته ويتلمس ردود الفعل ويهيئ الرأي العام للقبول بمثل هذه الصدمات؛ لو استمعنا إليها من بعيد!
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1924 - الأربعاء 12 ديسمبر 2007م الموافق 02 ذي الحجة 1428هـ