العدد 1924 - الأربعاء 12 ديسمبر 2007م الموافق 02 ذي الحجة 1428هـ

شاعر... ولدته نخلة الخسارات وينقذه الأمل

العراقي حسن الخرساني

التقيت الشاعر العراقي سعدي يوسف في الدوحة بدايات هذا العام 2007، سألته عن الموت لسببين اثنين، الأوّل: أن الموت هو أكثر ما يحوم حول وطنه أكثر الشئون التي يمارسها الناس هناك. أما سببي الثاني: فهرمه بالطبع! باغتني سعدي بالحديث عن الحياة والحب، قلت: لعنة شاعر مجنون لا يرى ما هو ماثل أمامه، ليس أكثر.

الصدفة ألقتني في أحضان نص شاعر عراقي آخر، جملته أنيقة، والتقاطاته في النص والتركيب ناعمة تسحر، الرجل «حداثوي» على ما يبدو ما خلا أنه رجل أمل، وتكفي للحداثوي سبة «الأمل» لكن هذا السويدي الجنسية العراقي الأصل الشاعر حسن الخرساني يستحق الإبقاء عليه أينما هبط نصه. قلت سأجازف وأمعن في المحاصرة، موضوعة الموت كانت ما «قلنا»، وتركنا له مساحة «قالوا»، لكن خيّب الظن!، هؤلاء العراقيون غريبون، يصنعون الموت في الصباح وينشدون الأمل في مساءاتهم. أجزم أنّ صديقنا أجاب عن الأسئلة وهو يمسي على شيء ما.

الشاعر الذي لا يقر بخساراته، يتجاوز حاضره نحو الأمل إذ العراق حلم والعراق لغة. أعيدها، في الحقيقة أيضا، مزعج أنْ يتحدّث الموتى عن الحياة والحب. يخلقون لديك إحساسا مركبا من اليأس، لكن في نص هذا الشاعر الجميل ما يجعلنا نمعن في الإسثناءات الجميلة.

قلنا - لماذا تكتب الشعر، وقد مات العراقيون كلّهم أو يكادون؟

- قالوا - وأنت َ تفتح ُ باب َ الموت بهذه الجملة الخبرية ( قد مات العراقيون كلّهم أو يكادون) ثمة َ وطن ُ اسمـُه ُ العراق ٌ يزدهرُ كل َ يوم ٍ بالعراقيين الذين يضحكون َمن الموت ذلك َالطفل ُالمشاكس الذي اقتحم َمملكتهم وكشف لهم سرَ الحياة وأسرار العرب والعالم.

وسؤالك َ- لماذا تكتب ُ الشعر؟ - لقد أربكتـَني كثيرا لأن َّهذا السؤال جاءني بثوب ٍغريب ٍعن ذاكرتي التي ولـِدتْ من رحم ِنخلة ٍشاعرة ٍومن مسلة ٍتتوهج ُبالشعروالشعراء .

قلنا ـ هل تكتب الشعر أم يكتبك؟

- قالوا -أنا والشعر طفلان ِفي رحم ٍواحد ٍ ننتمي ولا ننتمي.. نفتح ُ أبواب َالشمس ونتسامى في الغياب ... نبكي ونضحك ُونغني معا .. نحيا ونموت ُ معا ..»هل أكتب ُالشعر َأم يكتبني؟»، سؤال ٌ عاطل ٌ.. لم نتعرف ْ عليه ِـ أنا والشعر ـ لحد الآن .

قلنا - لماذا لا تزال حيا، ألا تلاحظ أن أنفاسك باتت تتسارع كل ليلة؟

- قالوا -الحياة ُ توهم ٌ ثابت ٌ يـُحقق ُ وجودَه ُ بالأيمان المطلق .. ولأنني أفرش ُ أنفاسي بأتجاه ِ الوطن سأحذف ُ ـ لماذا ـ التي بدأت َبها سؤالك ولا أنتمي للـ ـ التوهم الثابت ـ بل لحقيقة مشاعري التي تصطحبـُني كل َ ليلة ٍ إلى النور .

قلنا ـ هذا الشعر يأكلك، فماذا تأكل أنت؟

- قالوا - إنّ هذا الشعر لا يأكلـُني بل يـُجددني وأنا أنهل ُمن بحره ِالعذب , وكذلك َيحمل ُمعي ذلك َالوجود المتخم بكل ِ أنواع الروح .

وأنا ـ ياسيدي ـ أتغذى بالتأمل والنزول والصعود ثانية، كي أبقى مع الشعر في رحم ٍواحد ٍ .

قلنا ـ لماذا الكلام في حضرة الصمت المقدسة؟ ألا يفسد الكلام جمالية الصمت؟

- قالوا - هناك لغة ٌ،بل لغات ٌليسَ لها أثواب ٌ كي تحقق وجودَها أمام َالمرايا، فالكلام ُعاجزعن التورط ِبالكارثة، والشاعر ُ الذي يـُقدس ُالصمت َيؤسس ُلـَه ُما يليق ُبه، وكذلك يتوحد ُمعه ُبأسرارالبياض ِـ من الكلام ـ لهذا تبقى جمالية ُ الصمت تحافظ ُ على بكارتها وبكارة الكلام .

قلنا - أين يقف حسن؟، وماذا ينتظر، خلاف الأمنيات الكبرى التي لا تتحقق؟

- قالوا - أجلس ُواقفا متحركا على راحتي السلام، ولا أنتظر .., بل أصرخ ُكل َيوم ٍأمام َالعالم ِوأقول ُ: ـ العراق ُ لغتي ـ

والسواد ُالذي ركل َ بابل َـ كابوس ٌأعمى ـ سيفجر ُنفسـَه ُ بيديه، وسيبقى حمورابي يدون ُ للعالم ِشعاع َالحضارة ِ .

قلنا - أنت لا تهدي إصدارك لأحد، سأحترم أن يكون لك وحدك، لكن هل مات سكان ذاكرتك؟

- قالوا -سكان ُ ذاكرتي يا سيدي الكريم، أنت َ وهم والوجود وأنا والغيث ُالذي أكتبـُه ُ ؛ ...

أعود ُمرة أخرى إلى سؤالك َ « هل مات سكان ذاكرتي؟» لا أعلم ُ ـ ياسيدي ـ ربما إذا ما أنت َقررت َذلك !

ولكنني على يقين إنهم أحياء ويرفضون َلغة َالتلاشي.

العدد 1924 - الأربعاء 12 ديسمبر 2007م الموافق 02 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً