العدد 1923 - الثلثاء 11 ديسمبر 2007م الموافق 01 ذي الحجة 1428هـ

«الشرق الأوسط» بعد تسليم البصرة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ثلاثة تطورات مهمة ستحصل في المنطقة خلال الأسبوعين المقبلين يتوقع أن تحدث ديناميات سياسية سيكون لها تأثيراتها على خريطة «الشرق الأوسط» في السنة الأخيرة من عهد جورج بوش.

التطور الأول في فلسطين الذي ارتسمت معالمه بعد تفاهمات «مؤتمر أنابوليس» وتكاد تضمحل على أثر قرارات حكومة إيهود أولمرت استئناف الاستيطان وبناء وحدات سكنية في القدس المحتلة. وتأتي الخطوة الإسرائيلية لتقوّض تلك «الوعود البوشية» وتصريحاته بشأن «الدولتين» قبل نهاية العام 2008. والتقويض يعني أن تل أبيب بصدد تعديل نهج ترتيب المسار الفلسطيني - الإسرائيلي لمصلحة المسار السوري - الإسرائيلي. وفي حال فشل اللقاء المقرر عقده اليوم بين حكومة أولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس في التوصل إلى ضمانات رسمية تهيكل تلك التفاهمات العامة التي جرى تداولها في أنابوليس فإن وضع السلطة الفلسطينية سيصبح مهددا وربما تعرض لزعزعة أمنية تكرّر بحدود نسبية السيناريو الذي حصل في قطاع غزة.

التطور الثاني يتوقع حصوله في بغداد في 18 ديسمبر/ كانون الأول الجاري وهو الموعد الذي أعلنت عنه حكومة الاحتلال لبحث «تقنيات» الوضع الأمني في العراق. وفي حال حصل اللقاء الأميركي - الإيراني فسيكون الرابع من نوعه بين الطرفين والأول بينهما بعد صدور تقرير المخابرات المشتركة بشأن سلمية البرنامج النووي. فاللقاء سيشكل استكمالا لسياسة الترتيبات الميدانية بين طهران وواشنطن من خلال استخدام حكومة نوري المالكي قناة اتصال بين العاصمتين. والمالكي الذي يراهن على نجاح اللقاء وصف الاتصالات بأنها مهمة هذه المرة؛ لأنها ستحصل على مستوى «خبراء»؛ وستؤدي في حال توصلها إلى تفاهمات «فنية» و «تقنية» إلى عقد قمة سياسية في الأسبوع الأول من السنة الميلادية المقبلة (7 أو 8 يناير/ كانون الثاني المقبل) ويرجح أن تكون القمة في بغداد على مستوى سفراء.

التطور الثالث في البصرة ويتوقع البدء به يوم الأحد المقبل ويرجح أن ينتهي قبل عيد الميلاد في الـ24 من الشهر الجاري. وهذا التطور ليس جديدا إذ سبق أن أعلنه رئيس الحكومة البريطاني غوردن براون قبل شهرين. ويقضي الأمر بانسحاب القوات البريطانية من البصرة وتسليم المدينة إلى الجيش العراقي. وتشكل هذه الخطوة علامة مفارقة في إطار إعادة تشكيل «العراق الجديد». فالبصرة تعتبر ثاني محافظة من حيث الأهمية والمساحة والكثافة السكانية بعد بغداد. وهي تعتبر نقطة تقاطع وعقدة استراتيجية في الخليج. فالمدينة مفتاح العراق بحريا وتضم المحافظة ثاني أكبر مخزون نفطي بعد كركوك.

التسلم والتسليم في البصرة ليس حدثا عاديا ولا يمكن فصل العملية السياسية في الجنوب عن تلك اللقاءات «الفنية» و «التقنية» على مستوى الخبراء في بغداد. فالموعد متقارب بين التطورين وستكون لهما انعكاساتهما على خريطة العراق السياسية في المرحلة المقبلة. وتقارب الموعدين سيحدد إلى حدٍّ ما دور إيران وموقعها في دائرة استراتيجية شكلت ساحة صراع في العقود الثلاثة الماضية وأدت إلى توليد ثلاث حروب مدمرة منذ العام 1980.

عيّنة مصغرة

التطورات الثلاثة التي ستبدأ حركتها من اليوم إلى نهاية السنة الميلادية الجارية ستولد ديناميات سياسية يرجح أن يكون لها مفعولها على مستوى الزخم في تطور العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين السوري والأميركي في لبنان وفلسطين، والإيراني والأميركي في العراق والخليج.

قياس نسبة تأثير الاتصالات الدولية والإقليمية يمكن رصده من مدى فشل اللقاء أو نجاحه الذي سيتم اليوم بين عباس وأولمرت. النجاح والفشل لا يقتصران على الكلام الذي يقال للصحافة وإنما على الوقائع الميدانية الجارية والأولوية التي ستعتمدها تل أبيب في المرحلة المقبلة. فهل ستكون الأولوية للمسار الفلسطيني أم للمسار السوري؟ الجواب الإسرائيلي المتوقع صدوره في هذا الشأن يعطي فكرة ميدانية عن توجهات السياسة الأميركية في المرحلة المقبلة. المسار الفلسطيني يعني أن واشنطن لاتزال ملتزمة ولو شكليا بتلك الوعود التي أطلقها بوش في أنابوليس وهذا يقتضي منع توسيع المستوطنات والبدء في تشكيل برنامج عمل ينفذ ضمن إطار زمني. والمسار السوري يعني تأخير البحث في الشئون الفلسطينية واستمرار بناء المستوطنات والوحدات السكنية؛ بهدف زعزعة استقرار سلطة عباس تمهيدا لتقويضها في الفترة المقبلة بذريعة الفشل في التفاهم على قضايا الحل النهائي. وأولمرت كما يبدو من تصرفاته واتصالاته يميل إلى تجميد المسار الفلسطيني تحت غطاء العمل على فتح قناة أميركية على المسار السوري. وفي حال حصل الأمر فستشهد المنطقة العربية عودة إلى مرحلة اللاحرب واللاسلم وإبقاء نقاط الاختلاف معلقة إلى أمد منظور وربما غير منظور.

التلاعب الأميركي - الإسرائيلي بالمسارين الفلسطيني والسوري لا يمكن عزله عن تلك المنعطفات التي أخذت تطرأ على الملف العراقي وتطور الاتصالات «الفنية» و «التقنية» بين طهران وواشنطن بدءا من بغداد وانتهاء بالبصرة. فهذه المنعطفات ستولّد ديناميات سياسية ستكون لها تأثيراها على خريطة «الشرق الأوسط» في المرحلة المقبلة. فالانسحاب البريطاني من البصرة ليس تفصيلا بسيطا وإنما يمكن قراءة بعض ملامحه السياسية على توازنات القوى في المدينة وامتداداتها الجغرافية الجوارية وتداخلاتها الأهلية العابرة للحدود.

البصرة مركز ثقل في التوازن المحلي وهي تشكل إشارة في ترجيح موازين القوى الإقليمية؛ لكونها تمثل المعبر المائي (البحري/ النهري) للعراق ونقطة ربط وقطع بين الأطراف الجوارية. وعملية التسلم والتسليم التي يخطط لها أن تكون هادئة يرجح أن تفتح الباب أمام تشنجات محلية تقودها ميليشيات طائفية وقبائلُ سياسية؛ بهدف السيطرة على ثروة نفطية لا يقدر مردودها بثمن. هذا التنازع السلطوي على مرافق المدينة بدأ منذ فترة ويحتمل أن يتطور في حال اشتد التنافس على تعبئة الفراغ الأمني. لذلك هناك تخوفات من حصول مواجهات ميدانية مزدوجة بين ما تبقى من طوائفَ ومذاهبَ مختلفة أو في الطائفة أو المذهب الواحد. والمخاوف لا تقتصر على المدينة التي تغير لونها بعد الاحتلال الأميركي وإنما على المحافظة الثانية التي يرجح أن تنقسم إلى دائرتين: البصرة والزبير.

انقسام البصرة إلى محافظتين أو دائرتين تتنازعان السلطة والثروة ومعابر الحدود وتقاطع المواصلات والاتصالات مسألة خطيرة قد تؤدي إلى توسيع دائرة التفكك الأهلي من جهة والتشرذم السياسي في كل طائفة ومذهب ومنطقة من جهة أخرى.

البصرة تشكل عينة مصغرة عن ذاك النموذج الأميركي الذي وعدت الولايات المتحدة المنطقة به بعد احتلال العراق في العام 2003. والعينة خطيرة سياسيا؛ لأنها تقع على مفترق طرق في منطقة جغرافية حسّاسة وغنية بالثروات، فإذا تمّت السيطرة وضبطت الانفعالات تحت سقف متوازن أهليا فمعنى ذلك أن البصرة ستشكل ثغرة في جدار الغزو الأميركي. أما إذا انهارت وتناحرت وتحطمت إلى مراكز قوى تتنافس على السلطة والغنيمة فمعنى ذلك أن النزاع المحلي سينفتح على مساحة لا بأس بها من جغرافية بلاد الرافدين.

الفترة المقبلة التي تبدأ خطوتها الأولى من اللقاء المتوقع حصوله اليوم بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وتستمر في اللقاء المتوقع في 18 ديسمبر الجاري في بغداد بين الجانبين الأميركي والإيراني، ستكون خطيرة في تقلباتها وتحالفاتها وتشنجاتها وانعكاساتها على خريطة المنطقة. فالخريطة مقبلة على تحولات ومتغيرات، والعينة السياسية التي ستظهر في البصرة بعد إتمام عملية التسليم والتسلم ستعطي فكرة مصغرة عن طبيعة «الشرق الأوسط الجديد» والهيكلية التي سيستقر عليها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1923 - الثلثاء 11 ديسمبر 2007م الموافق 01 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً