يعرفه الجميع بأنه المرافق الدائم للمرحوم سماحة الشيخ عبدالأمير الجمري - قدس سره، يعتبر نفسه أحد أبنائه، يعشقه أكثر من والديه، اشتهر بأنه «سائق الشيخ»، أو «سكرتير الشيخ»، خصوصا أثناء انتفاضة التسعينات إذ كان يجوب كل المناطق مع سماحة الشيخ الجمري ولم يكن يرى الشيخ الجمري إلا وهو معه.
ومن الطبيعي ونحن نفتش عمن يحدثنا عن الشيخ الجمري أن نختار شخصا كان لصيقا به، فكان هذا اللقاء مع «سكرتير الشيخ»، كما يحب البعض أن يسميه أو «سائق الشيخ»، وهو السيد طالب محمد حسن الذي ينتمي إلى منطقة القرية، وكونه لصيقا بالشيخ الجمري فلابد أن يمسه شيء من العذابات التي سلطتها أجهزة القمع على الشيخ الجمري، لذلك فإن السيد طالب حاله كحال بقية عائلة الشيخ أبت أجهزة القمع إلا أن تضع ختم الشرف و الإباء و التضحية على أسمه وجسده فلذلك تم اعتقاله.
«الوسط» سألت السيد طالب عن شعوره بعد مرور عام على رحيل المرحوم سماحة الشيخ عبدالأمير الجمري فأجاب والدموع تتساقط من عينيه محاولا إيقافها إلا أنه لم ينجح في إخفائها عنا «آلام الفراق ما زالت موجودة»، ثم يصمت ويقول «أنت تذكرني بالخبر الصاعقة، لقد فقدت والدتي قبل رحيل سماحة الشيخ بفترة بسيطة، فوالدتي توفت قبله بنحو 8 أشهر، ولكن الألم الذي أصابني جراء وفاة الشيخ كان أكبر بكثير من آلام رحيل والدتي، إذ إنني أحسست بالضياع بعد رحيله - رحمة الله عليه - وما زلت أعيش ذلك الضياع».
وعن علاقة الشيخ الجمري بالجماهير، أكد أن «سماحة الشيخ كانت له علاقة مميزة مع كل شخص ومع كل منطقة، إذ إن الجميع يعامله على أنه صاحب المنزل و صاحب المنطقة، كما أنه يحسس الناس بحبه وأنه يعرفهم جيدا»، مضيفا «ويتبين لك أن علاقته مع هذه المنطقة متميزة و لكن عند زيارة منطقة أخرى تحس الإحساس نفسه، بمعنى أن علاقته بجميع المناطق كانت مميزة إذ إنه كان قريبا من الجميع ومحبا لهم»، وعن أبرز صفاته نوه إلى أن «سماحة الشيخ الجمري كان شجاعا شفافا و واضحا». وهذا نص لقاء «الوسط» مع سيد طالب محمد حسن:
* في أي عام بدأت العمل مع سماحة الشيخ الجمري؟
- كانت تربطني مع سماحة الشيخ - رحمة الله عليه - صلة قرابة، وفي بداية التسعينات كنت مرتبطا به أكثر كوني ألتحقت بحوزة الإمام زين العابدين(ع) التابعة لسماحته، و منذ العام 1994 كنت موجودا بصورة دائمة معه، ولم يفرقني عنه إلا السجن و المرض، غير أن غياب السجن كان أكبر.
* هل كان سماحته حازما في تعامله؟
- هو حزم في لين، إذ إنه في وقت الجد يكون جديا لأبعد الحدود، ولكن في وقت الراحة تحس أنه إنسان آخر فهو الممازح و المبتسم.
* ما نوع العلاقة التي كانت تربطه بالحوزة؟
- علاقته بالحوزة كانت مباشرة، وكان يعلم بجميع شئون الطلاب ودروسهم و مشكلاتهم، وماذا يريدون؟، وبعد التوسع قام بوضع إدارة للحوزة و نظام عام لها في بداية التسعينات، وكانت له علاقة مباشرة بجميع طلبة الحوزة، ولذلك لو بحثت مع جميع الطلبة لوجدت لكل واحد منهم قصصا مع الشيخ وجميعهم حتى اليوم يحكي هذه القصص.
وهنا اشير إلى أنه كان داعما للعمل المؤسساتي و الجماعي والدليل على ذلك تأسيسه للعمل الإداري في الحوزة ولجنة الحقوق الشرعية والتي تحتوي كفاءات ومتخصصين من غير طلبة العلوم الدينية، وكان يدعم هذا التوجه بقوة.
* هل كان من النوع الذي يخفي الكثير عن الناس؟
- لم يكن لديه ما يخفيه، غير أنه كان مضطرا في بعض الأحيان لإخفائها من أجل نجاح الأمور، لكني أؤكد أن الناس كانوا يعرفون ماذا يريد الشيخ الجمري، ولم أكن أحضر بصراحة الجلسات الخاصة التي كان يعقدها مع العلماء و السياسيين إذ إنني كنت أقوم بإيصاله ولكني لا أدخل في تلك الأماكن.
* أقرب الشخصيات له أثناء الانتفاضة و بعدها.
- أثناء المبادرة كان أصحاب المبادرة هم الأقرب إليه وكان جميعهم على مستوى واحد بالقرب منه، وبعد السجن الثاني كان قريبا من الدكتور علي العريبي إذ كان كثير التشاور معه وكان يستدعيه للتشاور أو يذهب إليه حتى بعد الثانية صباحا.
* ما الذي كان يسبب الإنزعاج لسماحته؟
- كان ينزعج كثيرا من بعض البيانات الصادرة ضده، ولكنه كان ينزعج كثيرا من تضرر قضية الشعب و مطالبه، والخلافات التي كانت بين الرموز و الناس كانت تؤذيه كثيرا لذلك لم يكن يسكت عنها بل يبادر إلى حلها، كما أن الخلافات بين الرموز أنفسهم كانت تزعجه وتؤذيه وكان لا يستقر إلا بعد حلها، إذ كان يتنقل من مكان إلى آخر في سبيل حلها.
* كيف كان يتعامل مع من يختلف معه؟
- عندما يختلف معه أحد فإنه لا ينام إلا وقد حل القضية و الإشكال الذي وقع بينهما، وأذكر أنه كانت لي قضية معه، وذلك في الإضراب عن الطعام الذي نفذه مع أصحاب المبادرة إذ إنه طلب مني إيصال رسالة معينة إلى الجمهور بشأن الشعارات و أنواعها، ولكنه تفاجأ بصمت الجماهير عن الهتاف، وبعد أن تناقشت معه واعتبرت أن الأمر انتهى، اتصل بي بعد منتصف الليل ليطيب خاطري و يطبطب عليّ ويراضيني، وهذه طبيعته مع الجميع.
* كيف تعامل سماحته مع الإضراب عن الطعام بحكم سنه ومرضه؟
- كان سماحته مقاوما لكل شيء من أجل أن يواصل مسيرته التي بدأها، وأثناء الإضراب عن الطعام كان يتعب كثيرا وننقله إلى المستشفى ولكنه كان يستمد قوته من الجماهير التي وجدت طوال الوقت حول مجلسه الذي كان هو و(أصحاب المبادرة) المضربون عن الطعام فيه، كما أنه كان يستقبل وفودا من جميع القرى وكانت أيضا تلك الزيارات تشد من عزيمته وتقويها، وأذكر هنا أنه كان منزعجا من عدم استجابة الدولة لمطالب الناس وكان يتأذى كثيرا لذلك، كما كان تفكيره منصبا على ما يعانيه الناس، ولم يكن يفكر في نفسه.
*ما هي طبيعة علاقته بأهالي القرى و المناطق؟ وهل كانت له علاقة خاصة بقرى عن غيرها؟
- كان لدى سماحته إحساس كبير أنه ينتمي إلى جميع القرى والمناطق، كما أن الناس كانت تبادله الشعور نفسه إذ إن الجميع يعامله على أنه صاحب المنزل والمنطقة، وكان يحسس الناس دائما أنه يعرفهم جيدا لذلك كانت له قصصا مع كل منطقة، وعند زيارة كل منطقة يتبين لك أن العلاقة نفسها في كل منطقة موجودة إذ إنه يعامل الجميع كأحباء له، لذلك فإن الجميع تجدهم قريبين منه.
* ماذا عن تعاطي الشيخ مع قضية الشهداء؟
- تعاطى الشيخ مع قضية الشهداء منذ بدايتها، إذ كان متأثرا جدا في السابع عشر من ديسمبر/كانون الأول من العام 1994 إذ تابع الموضوع، وأتذكر أنه عقد اجتماعا في منزل المرحوم الشيخ سليمان المدني، كما أنه كان يعيش قضية الشهيد في مناحي حياته كافة، وأكبر دليل على أنه يحمل هم الشهداء هي خطاباته التي تدل على أنه كان مستعدا للشهادة وتحركه الميادني و تحمله للضغوط الكبيرة كان دليلا على ذلك.
* ماذا عن علاقته بالشعر؟
- كان من مشجعي الشعر و الشعراء، كما أنني ألاحظه دوما يشجع الشعراء مهما كان مستوى شعرهم وبعد انتهائهم يقوم بتوجيههم وإبداء ملاحظاته بشأن الأبيات والقصيدة، وأنا لم أر شخصا يفعل ذلك أبدا، كما أنه كان يكتب الأبيات في الكثير من المناسبات حتى أنه كتب عددا من القصائد بمناسبة ذكرى ولادة عدد من أحفاده وهو على فراش المرض.
* برأيك ما هي أبرز صفات الشيخ الجمري؟
- أكثر شيء يميز الشيخ هي الشجاعة كما أنه شفاف للغاية وواضح جدا إذ إنه يقول ما في قلبه من دون أي عمليات تجميل.
* لماذا ترك الشيخ السياسة بعد الانتفاضة؟
- الشيخ لم يترك السياسة بل ترك الأمور التفصيلية وذلك بعد تأسيس الجمعيات السياسية، كما أن خطابه كان يشمل الجميع، وهنا أذكر له كلمة قالها وهي «ليس هذا البرلمان الذي ناضل من أجله شعب البحرين»، وهذه العبارة لا أحد يستطيع أن يحدد ما إذا كانت رفضا للمشاركة أما لا، لأنها كلمة جامعة.
* ما هي طبيعة علاقته بالفقهاء و العلماء و الحوزات العلمية؟
- كانت له علاقات مع الحوزات العلمية و المراجع و كانت تلك العلاقات مباشرة، إذ إنه مثلا كانت له علاقة وطيدة مع المرجع الديني الشيخ محمد أمين زين الدين - رحمة الله عليه، وكان هناك احترام كبير بينه وبين المراجع وكان وكيلا للكثير منهم. كما أنه كان متواصلا مع الجميع، ولم يتحرك أي حركة إلا بعد مطابقة تحركه مع الشريعة وأي شخص يدّعي غير ذلك فهو يفتري عليه.
* ماذا عن برنامجه أثناء مرضه؟
- سأتحدث هنا عن شيء من برنامجه إذ إنني أتذكر ارتباطه الوثيق بصلاة الجماعة، إذ إنه وبعد خروجه من المستشفى العسكري وعلى رغم حالته الصحية إلا أنه ظل يصلي صلاة الجماعة في غرفته بالمنزل مع بعض الحضور، وبعدها انتقل للصلاة في المجلس لأن العدد ازداد ومن ثم نقلها للسبب نفسه إلى صالة المنزل، ولم يقطع صلاة الجماعة على رغم من كل آلام المرض، كما أنه لم يقطع حضور المناسبات على رغم آلام «الديسك» فكان يحضر مجالس العزاء في المناطق و يحضر الأفراح ويزور المناطق، فكان موجودا بين الجميع ولم يجعل أحدا يحس بغيابه أبدا.
وظل برنامجه ثابتا حتى قبل سفره إلى العلاج، وحتى في سفره لم ينقطع عن الناس إذ كان يستقبل الاتصالات وذلك قبل إجراء العملية.
* رأينا شريط فيديو للشيخ وهو يتحدث.
- في فترة مرضه كان صمته طويلا لأنه لم يكن يستطيع التحدث، ولكنه تحدث في حادثتين لعشر دقائق، في المرة الأولى وهو الفيديو الذي تتحدث عنه عندما استقبل طلبة العلوم الدينية في بني جمرة، والمرة الآخرى كانت في حضور نسائي من منطقة توبلي، إذ طلب منه ابنه محمد حسين الحديث بعد تعريفه بالوفد فتفاجأنا بحديثه وتشجيعه للنساء إذ تحدث لمدة خمس دقائق.
* كيف ومن الذي أخبرك برحيل الشيخ الجمري؟
- سنرجع إلى الألم، سترجع بي إلى الخبر الصاعقة الذي أخبرني به النائب عبدالجليل خليل زوج بنت الشيخ عندما اتصل بي يخبرني، لم أكن مصدقا ولا مستوعبا للفكرة لأني أحس بوجوده في كل مكان وبين الجميع.
* هنا يتوقف السيد طالب والدموع تتساقط من عينيه، ويتكلم بغصة وحرقة.
- مجيء الناس خفف وطأة المصيبة كما أنه ساعدنا على تخفيف الألم وجعلنا نستطيع إدارة الحادث بسرعة، والحضور الجماهيري لعله كان قليلا في حقه على رغم البرد و التعب و من غاب لم يغب إلا مضطرا إلا أنني أجده قليلا في حق هذا الصرح العظيم.
* يصمت ثانية، ويكمل حديثه:
- آلام الفراق ما زالت موجودة، ولقد فقدت والدتي قبل رحيل سماحة الشيخ بفترة بسيطة إذ إنها توفيت قبله بنحو 8 أشهر، ولكن الألم الذي أصابني جراء وفاة الشيخ كان أكبر بكثير من آلام رحيل والدتي، إذ إنني أحسست بالضياع بعد رحيله - رحمة الله عليه - وما زلت أعيش ذلك.
* هل لنا بذكرى من الذكريات الجميلة مع سماحته؟
- كان سماحته مبتسما في كثير من الأحيان، في السجن كنت أقلد طريقة تنحنحه، أثناء إخراجنا من الزنزانة وكان هو في زنزانته يسمع ذلك الصوت ويعلم ما الذي أفعله، وبعد الإفراج عني وعنه كان يطلب مني أن أعيد ما كنت أفعله إلا أنني لم أستطع فعل ذلك.
* هل هناك ذكرى مؤلمة؟
- ما زالت ترن في أذني آلام الديسك، إذ أن الألم لم يكن يفارقه إلا بعد شرب المسكنات، وكان يتألم كثيرا، وهذه من الذكريات المؤلمة التي عايشتها معه.
* هل تريد إضافة أي شيء؟
- أحسد نفسي على قربي من الشيخ إذ جعلني أدخل في أوساط الناس وكانت ثقته تحملني الكثير من المسئولية ويكفيني فخرا أنني أذهب معه إلى كل مكان، وهذه ثقة غالية وأحمد الله عليها، إذ كنت معه في كل شيء حتى في تسلم الحقوق الشرعية والتصرف في بعض الحقوق. والشيخ شخصية لا تنسى لأنها تصنع كل دقيقة في حياتك وتعطيها معنى.
العدد 1923 - الثلثاء 11 ديسمبر 2007م الموافق 01 ذي الحجة 1428هـ
ذلك الجمري حبي وحياتي
الله يرحمه