العدد 1923 - الثلثاء 11 ديسمبر 2007م الموافق 01 ذي الحجة 1428هـ

الحاج إبراهيم: الشيخ الجمري صنع تاريخا جميلا لا يُنسى

رافقته سنوات فوجدته كريما ومعطاء وشجاعا ولا يهمه سوى الشعب

ذكريات يحفرها بشخصيته القريبة من القلوب، لحظة الجلوس معه لا يمكن نسيانها، يوما تكون فيه قريبا منه لا يمكن أن تنساه وخصوصا عندما يجلس معك متحدثا وناصحا ومعلما وقائدا وأبا بكل معاني الأبوة، فكيف إذا كان ذلك اليوم أياما، واللحظة لحظات، والذكرى ذكريات؟، تصبح تلك اللحظات والأيام والذكريات تاريخا لا يمكن أن يمحوها أي شيء من ذاكرتك الوجدانية والإنسانية حتى لو كانت مسرحيات تبث على التلفزيون وتنقلها وسائل إعلام كان حبرها ممزوجا بدماء الشعب، أو وسائل إعلام أخرى لا تمتلك إلا التذكير بأنّ الجلاد مازال موجودا وأنه قد يعود، غير أنّ من صنع التاريخ بإيمانه وعلاقته وحبه ووطنيته علم الجميع أن ذلك الزمن أبدا لن يعود، مادام هناك شعب حي يمنع عودة تلك الحقب الظلامية.

«الوسط» استرجعت شيئا من الذكريات مع أحد مرافقي المرحوم سماحة الشيخ عبدالأمير الجمري في سنوات مضت، هموم الدنيا لم تنسه الحب الكبير الذي كان يوليه الشيخ الجمري له ولقريته (المقشع). التقينا بالحاج إبراهيم علي أحمد نصيف، وهو سائق «تاكسي» ينتمي إلى إحدى قرى المحافظة الشمالية، قرية كباقي القرى معدمة فقيرة تنتشر فيها البطالة والمطالب المجمدة، أنقذها بعض الشيء إقامة القرية النموذجية لتصبح قرية نموذجية داخل قرية ليس فيها من النموذجية إلا أهلها الطيبين، الحاج إبراهيم يؤكد أنّ «الشيخ الجمري كان همّه الأول هو الناس، وكان يرفض أيَّ حلٍّ لقضايا أبنائه لا يشمل جميع أبناء الشعب، لأنه كان يعتبر الجميع عائلته لا يفرق بين أحد منهم»، مشيرا إلى أنّ «للشيخ الجمري ذكريات جميلة معي لا أنساها أبدا كما أنّ له علاقات متميزة مع قرية المقشع، وكان هو المأذون الشرعي لمعظم الزيجات في الفترة التي كان فيها يقوم بتحرير العقود»، منوها إلى أن «الشيخ الجمري كان لا يزعل من أحد وكان يبادر لمراضاة الجميع، وكان متواصلا مع الشاب والشيخ وحتى الصغار، ويتعامل مع الجميع بما يتناسب مع أعمارهم»... وهذا نَصُّ اللقاء الذي أجرته «الوسط» مع الحاج إبراهيم علي أحمد نصيف.

* منذ متى وأنت تقوم بإيصال الشيخ؟

- منذ سنوات، ولسنوات ظللت أوصله حتى العام 1994 إذ أصبح السيد طالب هو من يقوم بإيصال الشيخ الجمري رحمة الله عليه، ولكن لم ينقطع عني كما انني لم انقطع عنه طوال فترة حياته، حتى أثناء سجني كان يريد أن يزورني إلا أن أبناءه أقنعوه بأنّ زيارته لي قد تضرني فلم يزرني.

* ما هي العلاقة التي كانت تربطك وتربط أهالي المقشع به؟

- كانت للشيخ علاقات متميزة مع أهالي المقشع ومعي أنا شخصيّا، كان يصلّي جماعة في القرية كل ليلة خميس، كما أنه كان الخطيب الدائم لوفاة الإمام علي (ع) واستمر في ذلك حتى العام 1996 بعد خروجه من السجن، كما أنه كان يعتبرني أحد أبنائه.

وأثناء زيارته للقرية كان يحب الاستماع إلى اللهجات القديمة التي كان شباب القرية يجيدونها، كما انه لم يحصل يوما أن رفض طلبا من الأهالي للحضور والمشاركة في الاحتفالات أو أية مناسبة أخرى، كما انه لم يقطع صلاة الجماعة والتي كان يقيمها كل ليلة خميس أبدا إلا بسبب المرض والسجن.

وأذكر هنا شيئا يعبّر عن تميز علاقتنا مع سماحته وهو اننا في القرية كنّا نحيي ليلة القدر معه في بني جمرة ولكننا وبعد استشارته وتأييده لنا قمنا بإقامة إحياء ليلة القدر منذ العام 1999 في القرية بدعم وتشجيع منه، وهذا دليل على وجود سماحته في كل شئون حياتنا.

* كيف كانت ردة فعله اتجاه أي موقف لا يعجبه؟

- ما أريد أن أقوله انه كان لا يزعل من أحد، ودائما يكون المبادر لتطييب خاطر الجميع، وكانت الابتسامة هي طريقه لقلوب الناس.

* ما هي اهتماماته وهمومه؟

- أكبر همومه الشعب، وأكثر شيء يتحدث عنه مطالب الشعب وآلامه، وكان يتمنى أنْ تكون هناك وحدة بين الجميع من أجل مصلحة الشعب، كما أنه كان يحب الاطلاع والقراءة و الخطابة و الشعر، وكان متعلقا بعاشوراء الإمام الحسين (ع)، وكان يتمنى الكثير لشعب البحرين.

* ماالذي يميز شخصية الشيخ الجمري؟

- لديها الكثير من المميزات، إذ إنه كان كريما لأبعد الحدود، وأذكر هنا أنني عندما كنت أنتظره وهو يتوضأ كان يلزم أهل بيته بتقديم الضيافة لي وكان يزعل إذا لم تقدم الضيافة على الرغم من أنّ انتظاري لا يتعدى بضع دقائق، كما انه كان يحب مساعدة الجميع فكان يساعد الشباب في أمور الزواج كما كان يقدم المساعدات دون أن يعلم أحد بها.

* كيف استقبلت نبأ رحيل الشيخ الجمري؟

- كنت حينها في مكة المكرمة لأداء مناسك الحج، وأخبرني صادق ابن الشيخ الجمري بالنبأ الفاجعة وقد انهرت جراء الخبر، إذ إنه كان مصيبة كبرى علينا، وأذكر هنا أنني أوصيت ابنه صادق بتقبيل جبهته نيابة عني وأن يوصل رسالتي إليه، وأقمنا حينها مجلس عزاء على روحه.

* كيف ترى الساحة بعد رحيله؟

- ضعيفة و مشتتة، كما أنّ الارتباط بين الرموز والعلماء والقيادات أصبح ضعيفا، وأحسُّ أنّ الساحة ضائعة.

* هل كان سماحته يتحدث عن ما أصابه وعائلته؟

- كان حديثه دائما عن ما يصيب الناس، وعلى رغم أنّ أبناءه فيهم السجين والمشرد فإنه كان يتحدث عن الجميع، وعلى رغم تلقيه وعودا بإطلاق سراح ابنه محمد جميل فإنه طالب بإطلاق سراح الجميع؛ لأنّ الجميع أبناؤه.

* مَنْ مِن الشخصيات التي كان سماحته يتشاور معها باستمرار؟

- كان دائم التباحث مع الشيخ عيسى قاسم، حتى أنني أتذكر تشاورا حدث بين الاثنين قبيل انتفاضة التسعينات، وكان بشأن سفر الشيخ عيسى إلى قم المقدسة.

* ما الذي يؤلمه كثيرا؟

- كان يتألم كثيرا من الهجوم الذي كان يُوَجَّه ضدَّه من قبل القريبين منه، بينما كان يواجه الهجوم من الأطراف الأخرى بكل قوة، وأذكر هنا أنه ذكر لي أنه وأثناء التحقيق كان يُهدَّد بإدخال إحدى بناته عليه وكان ذلك التحقيق بحضور (ع.ف)، وقال لي إنهم لو فعلوا ذلك لكانت ستكون لي ردة فعل لم يكن يحسبها أيٌ منهم أبدا.

* كيف كانت علاقته بالجميع؟

- كان يعامل الجميع بحسب سنه، إذ يعامل الكبير حسب سنه، والشاب كذلك والطفل كما هو، ولكنه كان قريبا للجميع.

العدد 1923 - الثلثاء 11 ديسمبر 2007م الموافق 01 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً